"أوصاني خليلي بثلاث".. فضل المداومة على صلاة الضحى بعد وصية النبي

يرى جمهور الفقهاء أن الاستمرار على أداء صلاة الضحى أمرٌ مستحب شرعًا، استنادًا إلى ما ورد من نصوصٍ كثيرةٍ تُظهر فضلها، وتشير إلى حرص النبي ﷺ على الترغيب في المداومة عليها.
وقت صلاة الضحى
سُمّيت صلاة الضحى بهذا الاسم نسبة إلى وقت أدائها، وهو وقت الضحى من النهار. ويبدأ وقتها شرعًا بعد ارتفاع الشمس في السماء بمقدار رمح في نظر العين، أي بعد شروقها بحوالي خمسٍ وعشرين دقيقة تقريبًا (وفق التوقيت المحلي في مصر)، ويمتدّ وقتها حتى قُبيل زوال الشمس عن كبد السماء، أي قبل دخول وقت الظهر بنحو أربع دقائق تقريبًا.
فضل صلاة الضحى
تُعد صلاة الضحى من النوافل العظيمة التي وعد الله أصحابها بالمغفرة والفضل الجزيل، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «مَنْ حَافَظَ عَلَى شُفْعَةِ الضُّحَى غُفِرَ لَهُ ذُنُوبُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ»
(رواه الترمذي).
ومن فضائلها كذلك أنها تُجزئ عن الصدقات الواجبة على مفاصل الإنسان كلها في كل يوم، شكرًا لله على نعمة الخَلق والصحة. ففي الحديث الشريف عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ… وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى» (رواه مسلم).
وقد أوصى النبي ﷺ بها أصحابه، وجعلها من الوصايا الثابتة التي لا تُترك، كما في قوله لأبي هريرة رضي الله عنه:
«أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، وأن أنام على وتر» (رواه البخاري).
حكم المداومة على صلاة الضحى عند جمهور الفقهاء
اتفق جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية، وعدد من الحنابلة كالإمام الآجري وابن عقيل وابن تيمية، على استحباب المداومة على صلاة الضحى، مستدلين بحديث النبي ﷺ: «إِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ»
(رواه أحمد).
كما استدلوا بالأحاديث التي ورد فيها الحث على المحافظة على هذه الصلاة وبيان فضلها.
وقال الطحطاوي الحنفي إن الأَولى هو المواظبة عليها، ورأى الحطّاب المالكي أن المداومة عليها مستحبة ولا إثم في تركها، وذكر الماوردي الشافعي أن المواظبة عليها أفضل، وقرّر المرداوي الحنبلي أن الصحيح من أقوال العلماء هو استحباب الدوام عليها.
مذهب الحنابلة في المداومة على صلاة الضحى
يرى جمهور فقهاء الحنابلة أن الأفضل عدم المداومة المطلقة على صلاة الضحى، بل تُفعل أحيانًا وتُترك أحيانًا، استنادًا إلى ما روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «لَا، إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ» (رواه مسلم)، أي أن النبي ﷺ لم يكن يصليها دائمًا، إلا إذا رجع من سفر.
وفي رواية أخرى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نَقُولَ: لَا يَدَعُهَا، وَيَدَعُهَا حَتَّى نَقُولَ: لَا يُصَلِّيهَا» (رواه أحمد).
وقال المرداوي في الإنصاف: إن الراجح عند الحنابلة أن صلاة الضحى لا يُستحب المداومة عليها، بل يُستحب أن تُصلّى من حين إلى آخر.
القول المختار في الفتوى
الراجح في الفتوى هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من استحباب المداومة على صلاة الضحى، لما ثبت من فضلها وكثرة ما ورد في السنة من الحث عليها والمداومة على أدائها.
تفسير عدم مداومة النبي ﷺ على صلاة الضحى
أما ترك النبي ﷺ الدوام عليها فليس لقلّة فضلها، وإنما خشية أن يظن الناس وجوبها فتُفرض عليهم، كما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها قولها: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ» (رواه البخاري ومسلم).
كما أن قولها “ما رأيته يصليها” يُحمل على أنها لم تره يفعلها بنفسها، لأنه لم يكن غالبًا عندها وقت الضحى، إذ كان ﷺ في المسجد أو عند غيرها من زوجاته أو في السفر، كما بيّن الإمام النووي في شرح صحيح مسلم.