نهر تحت الضغط".. سباق السدود بين الهند والصين ينذر بتصعيد إقليمي خطير

في تصعيد جديد لنزاع طالما ظل بعيدًا عن الأضواء، أعلنت الهند عن نيتها بناء سد ضخم على نهر ياكسيا، ما يشكل تحديًا مباشرًا لمشروع الصين الكهرومائي القائم في المنطقة نفسها، ويحول الصراع المائي بين القوتين الآسيويتين إلى ورقة استراتيجية في لعبة التوازنات الإقليمية.
لم يعد الأمر يتعلق فقط بالتنمية أو احتياجات الطاقة، بل تجاوز ذلك ليصبح النهر عنصرًا حساسًا في المواجهة الجيوسياسية بين أكبر اقتصادين في آسيا، وبحسب الباحث في الشؤون الآسيوية، أحمد حسني، فإن المشروع الهندي يضع بكين أمام معضلة حقيقية، إذ يقلص قدرتها على التحكم في تدفقات المياه، ويقوض أهدافها في أمن الطاقة.
وأضاف حسني أن نهر ياكسيا بات الآن أداة ردع استراتيجية بيد نيودلهي، الأمر الذي يرفع التوتر بين البلدين إلى مستويات غير مسبوقة، وقد يتطور إلى أزمة دبلوماسية أو حتى مواجهات حدودية، رغم بقاء احتمال الحرب الشاملة مستبعدًا في الوقت الراهن.

حرب السدود بين الصين والهند
وترى الهند من جهتها في السد الجديد مشروعًا مفصليًا لتأمين ما يقارب 45% من احتياجاتها المائية في الزراعة والطاقة لملايين السكان في شمال شرق البلاد، أما الصين، فتراهن على مشروعها القائم لتوفير نحو 35% من احتياجاتها من الطاقة المتجددة في المقاطعات الغربية، ما يجعل التنافس على النهر معادلة صفرية؛ أي مكسب لطرف يقابله خسارة مباشرة للطرف الآخر.
الصراع لم يعد محصورًا داخل حدود الدولتين، إذ تسعى الهند للحصول على دعم وتمويل دولي من مؤسسات مثل البنك الدولي والوكالة اليابانية للتعاون الدولي، بينما تستثمر الصين قوتها التقنية وشبكة شراكاتها العالمية لتسريع تنفيذ مشاريعها، ووفق حسني، فإن أي دعم دولي للهند قد يفسر من جانب بكين كتحرك لتطويقها، ما ينقل النزاع إلى ساحة صراع أوسع بين القوى الكبرى في آسيا.
ورغم الأبعاد الاستراتيجية والسياسية، فإن التداعيات الإنسانية للنزاع المائي لا يمكن تجاهلها، حيث يعتمد أكثر من 120 مليون هندي على مياه نهر ياكسيا في الشرب، الزراعة، وتوليد الكهرباء، ما يعني أن أي تغيير في تدفق المياه قد يفضي إلى أزمات غذائية وارتفاع أسعار الطاقة، وربما اضطرابات اجتماعية، أما الصين، فترى في النهر ضمانة حيوية لصناعتها المتنامية، وأمنها الطاقي الداخلي، وبالتالي ترفض المساس بمشاريعها.
ويحذر حسني من أن تأثيرات التغير المناخي والنمو السكاني السريع ستزيد من تعقيد النزاع، مشددًا على أن السباق بين السدود "مسار محفوف بالمخاطر"، قد يدفع بالمنطقة إلى مواجهات مفتوحة ما لم يتم التوصل إلى اتفاقيات صارمة لتقاسم المياه، أو إنشاء مشاريع طاقة مشتركة تحفظ مصالح الطرفين.
وبينما تتشابك الحسابات الجيوسياسية مع الأمن الاقتصادي والطاقة في هذه القضية، يبدو نهر ياكسيا اليوم أكثر من مجرد مجرى مائي عابر للحدود، بل ساحة توتر قد تعيد رسم خريطة التوازن الإقليمي في آسيا، وتحدد مستقبل العلاقة بين عملاقين يتنافسان على النفوذ في القرن الحادي والعشرين.