إيران على شفير انهيار اقتصادي.. هل تتجه طهران للدبلوماسية لإنقاذ نفسها من ترامب؟

يشهد اقتصاد إيران واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العقود الأخيرة، حيث تعاني البلاد من انقطاعات حادة في التيار الكهربائي تسببت في شلل واسع للصناعات الحيوية، وذلك في ظل العقوبات الدولية وتدهور البنية التحتية، تبدو إيران على شفا انهيار اقتصادي أعمق، ما يهدد النظام السياسي بأكمله.
تُعد سلسلة انقطاعات الكهرباء الأسوأ في إيران منذ عقود، وقد أثرت على قطاعات واسعة من الاقتصاد، معطّلة الصناعات الرئيسية، ودافعةً بلدًا غنيًا بموارد الطاقة نحو أزمة أعمق.
انقطاع الكهرباء في إيران لمدة يومين
ومنذ نوفمبر الماضي، اضطرت الشركات في إيران إلى التعامل مع انقطاع الكهرباء لمدة تصل إلى يومين في الأسبوع، مما أدى إلى تعطيل واسع للصناعات. وأشارت غرفة التجارة الإيرانية إلى أن انقطاعات الكهرباء تكلف الاقتصاد حوالي 250 مليون دولار يوميًا، ما يمثل عبئًا كبيرًا على اقتصاد يواجه بالفعل تضخمًا بنسبة 30% وعملة متدهورة.

وبحسب وكالة "بلومبرج" الأمريكية، فإن مستقبل إيران على المحك في الوقت الراهن، خاصة مع تولي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، رئاسة الولايات المتحدة؛ إذ أنه من المؤكد أنه سيمارس أقصى قدر من الضغط على طهران وسيحضر حزمة عقوبات جديدة تستهدف قطاع النفط.
وأوضحت الوكالة أنه حتى بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، يبقى الصراع المباشر مع إسرائيل احتمالًا واردًا. وإذا تعرضت إيران لهجوم عسكري يستهدف أجزاء حيوية من شبكتها الكهربائية أو منشآتها النووية أو بنيتها التحتية الرئيسية، ستعرقل العقوبات قدرتها على التعافي.
أزمة الصناعات الرئيسية
تظهر بيانات رسمية أن حوالي 40% من طاقة إنتاج الصلب في إيران معطلة، بينما توقفت إمدادات الغاز الطبيعي إلى أكثر من 12 مصنعًا للبتروكيماويات. وفي قطاع الأسمنت، تم تقليص تدفقات الغاز بنسبة 80%.
وانخفض مؤشر مديري المشتريات لمدة تسعة أشهر متتالية، وفقًا لأرقام نشرتها الغرفة الإيرانية، حيث ربطت الانخفاضات بانقطاعات الكهرباء. كما يُتوقع أن ينخفض نمو الصادرات ويتراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى النصف بحلول عام 2027، وفقًا للبنك الدولي.
ونقلت "بلومبرج" عن محللين قولهم إن "أزمة الطاقة في إيران هي جزء من انهيار اقتصادي أشبه بدومينو، حيث تؤدي الإخفاقات في قطاع ما إلى تأثيرات متتالية عبر القطاعات الأخرى".
ولا تقتصر آثار الأزمة على الاقتصاد، بل تمتد لتشمل النظام السياسي بأكمله. يواجه النظام الإيراني تحديات غير مسبوقة في الداخل والخارج. داخليًا، تعاني الحكومة من تراجع شعبيتها بسبب فشلها في إدارة الأزمات، في حين تفقد إيران نفوذها الإقليمي وسط تغيرات جيوسياسية كبيرة.
وحذر محللون من أن العقوبات الدولية التي أعاد فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2018 قد فاقمت الأزمة، ما أدى إلى تدهور قطاع الطاقة وتحوله من محرك للنمو الاقتصادي إلى عائق.

وارتفع استهلاك الكهرباء بأكثر من الضعف منذ عام 2005، ويجادل البعض بأن الدعم الكبير للغاز يشجع على عادات استهلاك مهدرة، مثل تشغيل أجهزة التكييف بأقصى طاقتها مع فتح النوافذ.
في المقابل، لم تتواكب قدرات التوليد الجديدة مع هذا الطلب المتزايد، حيث يتجنب المستثمرون الأجانب المحتملون المخاطرة بخرق القيود الأمريكية.
قال وزير الطاقة الإيراني عباس علي آبادي إن عجز الكهرباء في البلاد قد يرتفع إلى 25,000 ميحاواط بحلول منتصف العام الجاري، مشيرًا إلى أن الحكومة تخطط لتنفيذ 14 مشروعًا قصير الأجل لتخفيف الأزمة، بما في ذلك زيادة الطاقة المتجددة، لكنه أشار إلى أن تنفيذ هذه الخطط يتطلب وقتًا واستثمارات ضخمة.
ورغم امتلاك إيران ثاني أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي عالميًا، إلا أن استغلال هذه الموارد يواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك عجز يومي يبلغ 200 مليون متر مكعب، وهو ما يعادل متوسط استهلاك ألمانيا اليومي.
وتواجه إيران عجزًا في الغاز لا يقل عن 200 مليون متر مكعب يوميًا، وهو ما يعادل تقريبًا متوسط استهلاك ألمانيا اليومي، وفقًا لرضا بديدار، نائب رئيس اتحاد صناعة النفط في إيران، الذي قال لوكالة "بلومبرج": "إن الرد على العقوبات الدولية غير المسبوقة كان غير كافٍ. الطاقة، التي كانت يومًا ما محركًا للنمو الاقتصادي، أصبحت الآن عائقًا".
تسعى إيران إلى تنويع مصادر الطاقة، حيث تمتلك مفاعلًا نوويًا في بوشهر بطاقة 1,000 ميجاواط، وتخطط لإطلاق مفاعل آخر في خوزستان بطاقة 300 ميجاواط يوميًا. لكن الطاقة المتجددة لا تزال شبه غائبة، حيث يعتمد أكثر من 92% من إمدادات الطاقة في البلاد على النفط والغاز.
تأثير العقوبات على الاقتصاد
منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في 2018، خسرت العملة الإيرانية حوالي 90% من قيمتها، بينما تواجه البلاد احتجاجات واسعة النطاق شملت العمال والمتقاعدين والتجار.
وقال مسؤول في وزارة النفط إن إيران تحتاج إلى إنفاق 15 مليار دولار سنويًا حتى عام 2029 لمعالجة أزمة الطاقة. ورغم انتعاش صادرات النفط الإيراني تحت إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، إلا أن العقوبات المتوقعة من إدارة ترامب المقبلة تهدد بتقويض هذا التحسن.
فرص الإصلاح
تحاول الحكومة الإيرانية التفاوض مع القوى الأوروبية لإيجاد حلول للأزمة. وعقدت جولة ثالثة من المحادثات مع المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا هذا الشهر، ووصفتها بأنها "جادة وصريحة وبناءة".

وقالت "بلومبرج" إنه ثمة بصيص أمل في ظل البراغماتية التي أظهرتها الحكومة، مضيفة: "إذا استمرت الجهود الدبلوماسية، قد تتحسن الأمور، إلا إذا عرقلت القنابل أو الصواريخ هذا المسار".