قمة كوبنهاجن: أوروبا بين خيار التصعيد العسكري ومخاطر العزلة الاستراتيجية

في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، شهدت القمة الأوروبية في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن نقاشات مكثفة حول مستقبل الأمن القاري، في وقتٍ يخيم فيه القلق من استمرار الحرب في أوكرانيا وتصاعد التهديدات الروسية، مما دفع كثيرين إلى التحذير من أن أوروبا تقترب من مفترق طرق خطير بين التصعيد العسكري أو البحث عن مسارات السلام.
تحذيرات من خطأ استراتيجي
حذر الدكتور عبد المسيح الشامي، خبير العلاقات الدولية والمختص بالشأن الأوروبي، في حديث صحفي من الانزلاق وراء خيار الحروب كوسيلة لضمان الأمن، مشيرًا إلى أن قمة كوبنهاجن أظهرت ميلًا مقلقًا داخل بعض الدوائر الأوروبية نحو التصعيد العسكري.
واعتبر الشامي أن هذا النهج يشكل خطأً استراتيجيًا فادحًا، خاصة في ظل الفجوة الهائلة في القدرات العسكرية بين أوروبا وروسيا، مضيفًا أن التجربة الأوكرانية أثبتت أن المواجهة لا تُفضي إلى نتائج حاسمة، بل تعمق الأزمات وتزيد من المعاناة الإنسانية والاقتصادية.
وأكد أن التاريخ يشهد بأن المواجهات العسكرية بين روسيا وأوروبا انتهت دائمًا بكوارث واسعة، ليعود الطرفان بعدها مجبرين إلى طاولة الحوار بعد خسائر هائلة، متسائلًا: "لماذا لا يُختصر الطريق إلى السلام بدلًا من تكرار الأخطاء ذاتها؟"

وأشار الشامي إلى مفارقة لافتة تمثلت في أن بعض الدول التي قادت نهج المواجهة مع روسيا في السابق، أصبحت اليوم من الداعين للتقارب معها، رافعة شعار "السلام والتعايش"، في انعكاس لتحول جذري في المواقف نتيجة التكاليف الباهظة التي تتحملها هذه الدول جراء القطيعة مع موسكو، خاصة في ملف الطاقة والمواد الخام.
وأوضح أن الرهان على التصعيد لم يجلب لأوروبا سوى العزلة وتراجع النمو الاقتصادي، فيما فُرّطت مكاسب اقتصادية هائلة كانت قائمة على التعاون مع روسيا في مجالات استراتيجية، مؤكداً أن المقارنة بين طريق السلام والحرب لم تعد تحتمل التأويل.
دفاع أوروبي مستقل
من جهته، اعتبر العميد نضال زهوي، الخبير العسكري، أن قمة كوبنهاغن كشفت عن تزايد القناعة داخل أوروبا بضرورة تعزيز القدرات الدفاعية الذاتية"، بعد أن أظهرت الحرب في أوكرانيا هشاشة الاعتماد الكامل على حلف الناتو، وتحديدًا على الدعم الأمريكي.
وأوضح زهوي أن واشنطن تتعامل مع الحرب كـ"مشروع تجاري"، تسعى من خلاله إلى إطالة أمد النزاع لبيع المزيد من الأسلحة، تحت لافتة دعم كييف، وهو ما يصب في مصلحتها الاقتصادية والعسكرية، بينما تتحمل أوروبا التكلفة الأكبر.

فكرة "الجدار الدفاعي"
وأشار إلى أن تكرار التهديدات من الطائرات المسيّرة والصواريخ البعيدة التي تستهدف العمق الأوروبي، دفعت بعض العواصم الأوروبية لطرح فكرة إنشاء "جدار دفاعي" شبيه بالقبة الحديدية الإسرائيلية، لحماية المدن والمنشآت الحيوية.
واعتبر زهوي أن تأسيس قوة دفاع أوروبية مستقلة أمر واقعي تقنيًا، بالنظر إلى الإمكانيات الصناعية والبشرية في دول مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، لكنه تساءل عن مدى نضج الإرادة السياسية اللازمة لتحقيق ذلك، خاصة في ظل الانقسامات بين دول الغرب والشرق داخل الاتحاد الأوروبي.
وأكد أن الانقسام السياسي وتباين الأولويات ما زالا يشكلان عائقًا كبيرًا أمام مشروع أوروبي دفاعي موحد، مشيرًا إلى أن واشنطن تمتلك أدوات قوية للتأثير داخل أوروبا، وقد لا تقبل بسهولة مشروعًا دفاعيًا يقلّص من اعتماد أوروبا على الناتو.
ماذا عن روسيا؟
وفي ما يخص روسيا، لفت زهوي إلى أنها قادرة على إرباك أي مشروع دفاعي أوروبي عبر المناورات العسكرية ونشر الصواريخ قرب حدود الناتو، لكنها على الأرجح لن تدخل في مواجهة مباشرة خلال الفترة الحالية، مفضلًا الاستمرار في سياسة الضغط والردع غير المباشر.