الكاريبي على صفيح ساخن.. هل تصبح فنزويلا شرارة حرب أمريكية لاتينية؟

تتدحرج الأزمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا ككرة ثلج، منتقلة بسرعة من ضغوط سياسية واقتصادية إلى بوادر تصعيد عسكري مفتوح، وسط مؤشرات على أن واشنطن لم تعد تستبعد تدخلاً مباشرًا لإسقاط نظام الرئيس نيكولاس مادورو، تحت غطاء "الحرب على المخدرات".
تصعيد خطير في الكاريبي
تشير تقارير استخباراتية أمريكية إلى أن واشنطن ترى استئصال نظام مادورو شرطًا أساسياً لنجاح استراتيجيتها في مكافحة تهريب المخدرات من الكاريبي إلى أراضيها، وهو ما يفسّر الحشد العسكري الأمريكي المتزايد قرب السواحل الفنزويلية، لا سيما مع اقتراب المدمرة "USS Stockdale" من المنطقة.
ويفتح هذا التصعيد، وإن لم يصل بعد إلى حد إعلان حرب، الباب أمام سيناريو تدخل عسكري محدود أو ضربات استباقية داخل الأراضي الفنزويلية، وفقاً لمصادر أمريكية مطلعة.

فنزويلا تتهيأ للأسوأ
على الجانب الآخر، بدأت كاراكاس تستشعر خطورة الموقف، حيث ألمح مادورو إلى إمكانية فرض حالة الطوارئ وتوسيع سلطاته الأمنية والعسكرية، ما يعكس استعدادًا ميدانيًا لمواجهة سيناريو التدخل الأمريكي.
خطاب مادورو الأخير، الذي تحدث فيه عن تشكيل "جيش موحّد لأمريكا اللاتينية"، أثار جدلاً واسعًا بين المحللين، خاصة في ظل الانقسام داخل القارة، والتباين في مواقف الدول اللاتينية من شرعية حكومته.
ورغم تشكيك بعض المراقبين بإمكانية تشكيل جيش موحد، خصوصًا بسبب علاقات عدد من العواصم اللاتينية الوثيقة مع واشنطن، إلا أن مؤشرات جديدة بدأت تلوح في الأفق كالآتي:
- الانحياز السياسي لبعض دول القارة نحو موسكو، واعتبار روسيا شريكًا موثوقًا أكثر من واشنطن.
- الاعتماد الاقتصادي المتزايد على الصين، التي أصبحت الشريك التجاري الأول في المنطقة، ما يعقّد مناورات الضغط الأمريكية.
- الرفض الواسع لتجربة بنما، التي انسحبت من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية تحت ضغوط أمريكية، وهو ما يعتبر سابقة سلبية في الوعي اللاتيني.
ويرى مراقبون أن فنزويلا قد تتحول إلى اختبار أولي لتحديد حدود النفوذ الأمريكي في القارة، خصوصًا إذا واجهت واشنطن رد فعل إقليمي غير متوقع، أو حتى تدخلًا غير رسمي من حلفاء مادورو في دول الجوار.

إسقاط مادورو.. عقدة ثلاثية الأبعاد
بالنسبة لواشنطن، إسقاط مادورو لا يمثل مجرد تغيير نظام، بل خطوة استراتيجية ذات ثلاث أبعاد:
- كبح التوسع الاقتصادي الصيني في أمريكا اللاتينية.
- ضرب النفوذ الروسي في "الحديقة الخلفية" للولايات المتحدة.
- تفكيك شبكات تهريب المخدرات التي تتهم واشنطن نظام مادورو برعايتها.
وبهذا المعنى، ترى الإدارة الأمريكية أن كاراكاس أصبحت بؤرة تهديد ثلاثي لا يمكن تجاهلها، ما يعزّز رغبة جناح "الصقور" داخل البيت الأبيض في الحسم السريع.
مارك روبيو.. مهندس التصعيد
يقود وزير الخارجية الأمريكي ومستشار الأمن القومي ماركو روبيو هذا الجناح المتشدد، مدعومًا بوجوه بارزة مثل جون راتكليف (مدير CIA) وستيفن ميلر (كبير مستشاري ترامب)، حيث إن روبيو، ذو الأصول الكوبية، يعيد تفعيل "عقيدة مونرو" التي تؤكد على الهيمنة الأمريكية الكاملة على نصف الكرة الغربي، خصوصًا كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا، وحتى البرازيل وبوليفيا.
جناح "المعتدلين" يتلاشى
في المقابل، يمثل ريتشارد جرينيل، مبعوث ترامب إلى فنزويلا، الصوت المعتدل الوحيد في الإدارة، حيث يدعو إلى الحفاظ على مسار دبلوماسي مرن وعدم التورط في حرب قد تكون طويلة ومكلفة.
لكن بحسب تسريبات من واشنطن، فإن جرينيل أصبح "عازفًا منفردًا" في جوقة سياسية تضج بطبول الحرب، ما يعني أن احتمالات التصعيد العسكري أصبحت أقرب إلى الواقع منها إلى التهديد النظري.