ما حكم البيع الإلكتروني بعد الأذان لصلاة الجمعة وقبل الوصول للمسجد؟

لا يجوز على من وجبت عليه صلاة الجمعة أن يشتغل بالتجارة الإلكترونية بعد الأذان الثاني، بل ينبغي له أن يعمر وقته بالذكر والدعاء، ثم يُنصت لخطبة الجمعة لينال تمام الأجر والثواب. ويُستثنى من هذا الحكم حالات الضرورة أو ما في معناها من الحاجات الملحّة، على أن يُراعى في ذلك أن الضرورة تُقدَّر بقدرها، فيباح البيع حينئذ بقدر الحاجة فقط.
تعريف البيع الإلكتروني
البيع الإلكتروني هو صورة من صور المبادلات الحديثة، يقوم على تبادل مال معلوم مقابل سلع أو منافع محددة ومشروعة، عبر الوسائل التقنية المعاصرة، وهو امتداد طبيعي لطرق البيع والشراء المألوفة، غير أنه يسهّل المعاملات ويوفّر الوقت والجهد.
حكم البيع والشراء وقت الجمعة
الأصل في الشريعة إباحة البيع والشراء في جميع الأوقات، لكن استُثني من ذلك وقت اجتماع المسلمين لصلاة الجمعة؛ تعظيمًا لشأنها وحثًّا على السعي إليها؛ لأنها صلاة إذا فاتت فات المسلم خير عظيم. قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: 9].
وقد خُصّ البيع بالذكر لأنه أكثر ما يشغل الناس عن العبادة، ولأنه أساس المعاش. ومن هنا قرر الفقهاء أن النهي ليس لذات البيع، وإنما لكونه سببًا في الانشغال عن الجمعة وترك السعي إليها.
حكم البيع الإلكتروني في الطريق إلى الجمعة
اختلف الفقهاء فيمن يبيع أو يشتري وهو في طريقه إلى صلاة الجمعة:
• جمهور الحنفية والشافعية والحنابلة: يرون أن العلة في النهي هي الانشغال المانع من إدراك الصلاة، فإن وقع البيع أثناء السعي ولم يؤثر على حضورها، فلا حرج فيه. وقد نصوا على أن التبايع حال المشي لا يخل بالسعي ولا يُكره.
• المالكية: يرون أن البيع وقت الجمعة محرم مطلقًا، سواء على من تلزمه الصلاة أو من لا تلزمه؛ سدًّا للذرائع وخوفًا من انشغال الناس بها عن الجمعة.
ومع ترجيح كثير من الفقهاء لمذهب الجمهور في الجواز إذا لم يشغل عن الجمعة، إلا أن الأدب مع شعيرة الجمعة وتعظيم وقتها يقتضي ترك البيع والشراء – ولو كان إلكترونيًا – والانشغال بالذكر والدعاء، لا سيما أن الشرع اعتبر الخارج من بيته متوجهًا إلى الصلاة في حكم المصلّي، فيلتزم من الوقار والسكينة ما يلتزمه في حال الصلاة نفسها.
وقد ورد في الحديث أن النبي ﷺ نهى عن تشبيك الأصابع في طريق الصلاة، معلِّلًا ذلك بأن من خرج إليها فهو في صلاة حتى يرجع منها، مما يبين أن الأولى بالمسلم أن يصون وقته عن شواغل الدنيا في هذا الموطن الجليل.
ولا يخفى أن التعامل الإلكتروني قد يستهلك من وقت المسلم ويشغله بكثرة العروض والتواصل، بما قد ينقص من حضور قلبه وخشوعه، ولذلك كان الأحوط والأفضل تركه بعد الأذان الثاني، وهو الوقت الذي حدده جمهور الفقهاء لانعقاد النهي عن البيع.
فالخلاصة: الأصل في البيع الإلكتروني حكمه حكم سائر البيوع، لكن بمجرد الأذان الثاني للجمعة يمتنع الاشتغال به لمن وجبت عليه الصلاة، إلا في حال ضرورة أو حاجة معتبرة، وتبقى الفضيلة الأكمل في الانشغال بالذكر والدعاء والسعي للجمعة بوقار وخشوع