ما حكم مصافحة الناس بعضهم بعضًا وقول كلمة (حرمًا) بعد الصلاة؟

يجوز شرعًا أن يتصافح المصلون فيما بينهم بعد الصلاة، وأن يتبادلوا كلمة “حرمًا”، لما في ذلك من إظهار الألفة وتقوية روابط المودة بين المسلمين.
ما حكم مصافحة الناس بعضهم بعضًا، وقول كلمة (حرمًا) بعد الصلاة؟
الشرع الشريف وحثّه على السلام والمصافحة
جاءت نصوص الشرع الشريف مؤكدة على فضل السلام والمصافحة، فجعلتهما سببًا لمغفرة الذنوب ورفع الدرجات. فقد روى الطبراني في المعجم الأوسط وابن شاهين في الترغيب عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَصَافَحَهُ، تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرِ».
كما أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ، إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا».
المصافحة بعد الصلاة
الأصل أن المصافحة سنة عند كل لقاء، ومن ذلك ما اعتاده الناس بعد الصلوات؛ فهي داخلة في عموم النصوص الدالة على استحبابها، بل اعتبرها بعض الفقهاء سنة عقب الصلاة أيضًا.
وقد أشار عدد من العلماء إلى ذلك:
• قال الطحطاوي الحنفي في حاشيته على مراقي الفلاح : وكذا تُطلب المصافحة؛ فهي سنة عقب الصلاة كلها، وعند كل لقاء.
• وقال الشرنبلالي الحنفي في حاشيته على درر الحكام : وكذا المصافحة، بل هي سنة عقب الصلوات كلها، وعند كل لقي.
• ونقل ابن الحاج المالكي في المدخل عن أهل العلم في فاس أنهم كانوا يصافحون بعد صلاة العيد.
• وقال النووي الشافعي في المجموع (3/488): إذا صافح من كان معه قبل الصلاة فمباحة، وإن صافح من لم يكن معه قبلها عند اللقاء فسنة بالإجماع.
• وأكد في الأذكار (ص 266) أن المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر وإن لم يكن لها أصل خاص، فلا بأس بها؛ لأنها مندرجة تحت أصل السنة.
• وقال ابن علان في الفتوحات الربانية (5/397): المصافحة مستحبة عند كل لقاء، سواء بعد الصلاة أو غيرها، وقد اعتادها الناس عقب الصلوات وهو أمر لا حرج فيه، بل هو قريب من الاستحباب.
قول: “حرمًا” عند المصافحة
أما قول المصلين “حرمًا” عند المصافحة، فيُقصد به الدعاء بأن يجمعهم الله في الحرم الشريف، ويرد الآخر بقول: “جمعًا”. وهذا من الدعاء الطيب الذي رغب فيه الشرع الشريف، لِما فيه من رجاء الخير والألفة بين المسلمين.
وقد ثبت أن دعاء المسلم لأخيه مستجاب؛ فعن الصنابحي أنه سمع أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقول: “إن دعاء الأخ لأخيه في الله عز وجل يستجاب”، أخرجه أحمد في الزهد والبيهقي في شعب الإيمان.
وذكر الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح (4/1526) أن بعض السلف كانوا يدعون لإخوانهم رجاء أن يرد الملك عليهم بمثل الدعاء فينالوا مثله. ومن هنا جاء استحباب الدعاء عقب الصلاة، لِما في ذلك من رجاء القبول؛ فقد سُئل النبي ﷺ عن أفضل الدعاء فقال: «جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ» رواه الترمذي والنسائي.
وبذلك يكون قول “حرمًا” و”جمعًا” بعد الصلاة من العادات الحسنة التي تجمع بين معنى الدعاء، ورجاء القبول، والتعبير عن الشوق إلى بيت الله الحرام، فضلًا عن أنها تحقق معنى قوله ﷺ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» متفق عليه.