هل يمكن أن يستمر الحمل أربع سنوات؟.. اعرف مذاهب الأئمة الأربعة في أكثر مدة

هل يمكن أن يستمر الحمل أربع سنوات؟، من الأمور التي تثار حولها الشبهات واستغلها البعض للطعن في الفقه الإسلامي، فـ هل يمكن أن يستمر الحمل أربع سنوات؟
هل يمكن أن يستمر الحمل أربع سنوات؟
تقول الدكتورة روحية مصطفى أستاذ ورئيس قسم الفقه بالأزهر الشريف، تحت عنوان: «حيض الحامل وأقصى مدة الحمل: تفكيك الإشكال وبناء رؤية فقهية معاصرة»، إنه من المسائل التي استغلّها من لا حظَّ له من العلم للتشنيع على الفقهاء الأربعة: مسألة أقصى مدة للحمل، لما ذكره الفقهاء من تقديرات طويلة في هذا الباب تصل إلى العامين والثلاث والأربع. وهذه المسألة من الأهمية بمكان؛ لما ترتبط به من أحكام تخصّ ثبوت النسب والعدّة والميراث وغيرها. والحقيقة أن هؤلاء الأئمة إنما ذكروا تلك المدد على سبيل الاستثناء والندور، لا على أنها الأصل أو الغالب؛ فهم متفقون عمليًّا على أن الغالب في مدة الحمل هو تسعة أشهر تزيد أو تنقص قليلًا، كما هو مقرَّر طبًّا اليوم.
وتابعت: من المهم أيضًا أن نعلم أن الفقهاء حين قدّروا هذه المدد الطويلة، لم يكن قصدهم فتح باب الفوضى أو تقرير أمر يخالف العادة، وإنما كان مقصدهم الأول حفظ النسب وصيانة الأعراض ومنع التنازع بين الناس؛ إذ إن ثبوت النسب أو نفيه يترتب عليه أحكام العِدّة والميراث والنفقة وغيرها. ومن ثمّ فقد آثروا جانب الاحتياط حتى لا يضيع حقّ طفل أو تتفكك أسرة بسبب تقدير قصير يوقع الشك. واليوم، مع تطور الوسائل الطبية، يمكننا تحقيق المقصد نفسه بدقة أكبر، ودون الحاجة إلى افتراض مدد نادرة.
موطن الإشكال
أوضحت أن الذي أثار اللبس هو تعليل الفقهاء لهذه الحالات النادرة؛ فقد علّلوها إمّا بما شاهدوه، أو بما سمعوه من وقائع نقلها الثقات، أو بما بلغهم من أخبار غيرهم، في ضوء ما كان متاحًا لهم من معطيات طبية في عصرهم، إذ لم تكن بين أيديهم وسائل التشخيص الدقيقة ولا المعرفة الطبية المتطورة كما في عصرنا.
فكان إذا انقطع الحيض عن المرأة سنوات، وظهرت عليها أمارات الحمل، ثم وضعت بعد تلك المدة، اعتبروا جميع تلك السنوات فترة حمل. وهنا جاء تفسير العلم الحديث لهذه الظاهرة، حيث عُرف اليوم ما يسمى بـ الحمل الكاذب: وهو انقطاع الحيض عن المرأة مع ظهور أعراض تشبه الحمل، ثم يتبين بالفحص الطبي أنه ليس حملًا، بل اضطراب هرموني أو تراكم دموي في الرحم.
الحل الذي يكشف عن عمق فقههم
وأكملت: لقد ساقني البحث إلى قرينة فقهية أخرى تُضيء هذه المسألة، وهي قول بعض الفقهاء في مسألة حيض الحامل؛ فالمعتمد عند المالكية، وعند الشافعية في الأصح، أن الحامل قد تحيض.
وتابعت: لو تأملنا هذه المسألة مع ما سبق، لانكشف لنا وجه الجمع: فالمرأة التي قيل إنها "حملت أربع سنوات" مثلًا، هي في حقيقتها قد انقطع عنها الحيض أولًا (فظُن أنها حامل)، ثم عاد إليها الحيض في السنة الرابعة، فطهرت وواقعها زوجها، فحملت الحمل الحقيقي في تلك السنة، ثم وضعت بعد تسعة أشهر فقط. لكن الفقيه الذي يرى أن الحامل قد تحيض، ظنّ أنها كانت حاملًا من بداية المدة إلى نهايتها، فحسب ذلك كله مدة حمل.
النتيجة
إذن فمسألة "حيض الحامل" فسّرت ما كان يُرى قديمًا من امتداد الحمل إلى ثلاث أو أربع سنوات. والواقع أنها لم تكن إلا تسعة أشهر طبيعية، سبقها انقطاع الحيض وأعراض حمل كاذب، ثم حصل الحمل الحقيقي في السنة الأخيرة.
وبهذا يتبيّن أن الفقهاء – رحمهم الله – لم يخالفوا الحقائق الطبية عمدًا، وإنما تكلموا بما أتيح لهم من مشاهدات ومعطيات في زمنهم، فكان تفسيرهم اجتهادًا سائغًا. أمّا اليوم، فقد كشفت العلوم الطبية حقيقة هذه الظواهر، فبان أن أقصى الحمل تسعة أشهر، وما نُسب إلى الفقهاء من المدد الطويلة يُفهم في سياقه التاريخي والفقهي.
ويتضح مما سبق أن الفقهاء – رحمهم الله – كانوا صادقين وأمناء في نقل ما بلغهم؛ فلم يتعمّدوا مخالفة الواقع، ولا التشويش على الناس، بل اجتهدوا بما عندهم من معطيات. وإيرادهم لتلك الحالات الشاذة إنما كان من باب الأمانة العلمية، فهم لا يحذفون ما سمعوه أو نُقل إليهم ولو كان نادرًا، حتى تكتمل الصورة أمام طالب العلم.
ولو تأملنا منهجهم، لوجدناه شبيهًا بمنهج الأطباء في عصرنا؛ إذ تُذكر في المراجع الطبية الحالات النادرة أو الاستثنائية، مع اتفاق الجميع على أن الأصل هو ما يقرّره العلم الغالب. فالطبيب يذكر أحيانًا حالة شاذة سُجّلت في بلد ما، ومع ذلك لا يجعلها قاعدة عامة، وإنما يسجلها توثيقًا وأمانة. وهكذا فعل الفقهاء؛ فما قيل عن "حمل أربع سنوات" إنما كان من هذا الباب، لا من باب تقرير قاعدة مضطردة.
وشددت الأستاذ بجامعة الأزهر على أن هذه القراءة المعاصرة ليست طعنًا في تراث الفقهاء ولا تقليلًا من قدر اجتهادهم، بل هي استمرار لمنهجهم القائم على النظر في الأدلة، ومراعاة مقاصد الشريعة في حفظ النسب والحقوق. ومع ما أتاحه العلم الحديث من وسائل دقيقة للتشخيص، أصبح من الممكن إعادة ضبط الأحكام الاجتهادية المتعلقة بمدة الحمل، تحقيقًا للمقصد نفسه الذي راعاه الفقهاء، وهو صيانة الأنساب ودفع الشكوك. وبهذا يجتمع النقل الصحيح مع العقل السليم والعلم المتيقَّن، فيتجدد الفقه على هدي الشريعة ومقاصدها.