مراكش تنتفض.. هل تتحول مظاهرات المغرب إلى حركة إصلاحية شاملة؟

تشهد عدة مدن مغربية موجة من الاحتجاجات يقودها شباب غاضب من واقع قطاعي التعليم والصحة، وسط صمت رسمي وانتشار أمني مكثف، ما يطرح تساؤلات جادة حول مستقبل هذه التحركات: هل هي مجرد موجة غضب عابرة؟ أم بداية لتحول اجتماعي واسع تقوده جيل جديد يطالب بإصلاحات جذرية؟
مظاهرات المغرب يقودها "جيل 212"
الاحتجاجات التي امتدت إلى مدن كبرى مثل الرباط، الدار البيضاء، أغادير، طنجة، وجدة، ومكناس، قادتها مجموعة شبابية غير معروفة تُطلق على نفسها اسم "جيل زد 212"، وهي حركة ظهرت مؤخرًا على منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك، إنستغرام، وديسكورد. ورغم غموض هوية من يقف خلفها، نجحت في حشد عدد من الشباب في الشوارع خلال ثلاثة أيام متتالية، للمطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم ومحاربة الفساد.
صمت حكومي... وتجاهل رسمي
حتى الآن، لم تصدر الحكومة المغربية أو السلطات القضائية أي بيان رسمي بخصوص هذه التحركات، كما تجاهلت وزارة الداخلية الرد على استفسارات وكالة رويترز، ما يعزز منسوب القلق الشعبي تجاه تعاطي الدولة مع مطالب تعتبرها الفئة المحتجة "أساسية وملحة".

مواجهات مع الأمن
في العاصمة الرباط، تحدث شهود عيان عن تدخلات أمنية مكثفة، بعضها تم عبر عناصر بزي مدني. وتم توقيف عدد من الشبان خلال محاولتهم ترديد شعارات أو التحدث إلى وسائل الإعلام.
ولفت الأنظار توقيف رئيسة "جمعية حماية الطفل"، نجاة أنور، أثناء حديثها للصحفيين، قبل أن يُفرج عنها بعد ساعتين. وقالت أنور: "كنت أحقق في مزاعم اعتقال قُصَّر، فتم اعتقالي أنا شخصياً".
كما أفاد رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط، حكيم سيكوك، بتوقيف أكثر من 60 شخصًا في الرباط وحدها، إضافة إلى توقيفات في مدن أخرى، أبرزها الدار البيضاء وأغادير ووجدة، مع استمرار الاحتجاز المؤقت لبعض المعتقلين إلى حين عرضهم على النيابة.

شعارات تردد صدى "الربيع المغربي"
رغم محاولات منع التجمعات، تمكن محتجون في وسط الرباط من ترديد شعارات لافتة مثل:
- "حرية، كرامة، عدالة اجتماعية"
- "الشعب يريد الصحة والتعليم"
- "الشعب يريد إسقاط الفساد"
- "رحيل (عزيز) أخنوش"
ولم يغب البعد الرمزي، حيث هتف البعض: "الملاعب ها هي؛ لكن أين المستشفيات؟"، في إشارة إلى الفجوة بين الإنفاق على البنية التحتية الرياضية مقارنة مع تدهور الخدمات الصحية.
من أغادير إلى باقي المدن.. الشرارة الأولى
اندلعت شرارة الاحتجاجات من مدينة أغادير، إثر غضب شعبي من تردي أوضاع المستشفيات، قبل أن تمتد سريعًا إلى مدن أخرى. أشرطة مصورة أظهرت الشرطة وهي تفرق طلبة جامعيين، فيما أغلق متظاهرون طريقًا سريعًا في الدار البيضاء لفترة وجيزة مساء الأحد.
وتتهم المجموعة المنظمة السلطات بـ"تهميش الخدمات العامة"، فيما تصف نفسها بأنها "فضاء للنقاش حول قضايا تهم كل المواطنين، مثل الصحة والتعليم ومحاربة الفساد"، مؤكدة في الوقت ذاته رفضها للعنف، وتشبثها بـ"حب الوطن والملك".
السياق الاجتماعي... أرقام مقلقة
بحسب بيانات وكالة الإحصاء الوطنية، تبلغ نسبة البطالة العامة في المغرب 12.8%، وتصل بين الشباب إلى 35.8%، وبين الخريجين الجامعيين إلى 19%.
وتظهر هذه الأرقام هشاشة الواقع الاقتصادي والاجتماعي، ما يفسر زخم الغضب بين الشباب، الذين يُعدّون الأكثر تضررًا من الفجوات الاجتماعية، والتمييز الواضح بين القطاعين العام والخاص في مجالي التعليم والصحة.
الأمن في مواجهة الشباب.. وغياب للرؤية السياسية
في مشهد يعكس حالة التوتر المتصاعدة، انتشرت تعزيزات أمنية مكثفة في محيط البرلمان وسط الرباط، حيث لاحقت القوات الأمنية عشرات الشبان الذين حاولوا التجمع، وتم توقيف عدد منهم خلال دقائق.
ومع غياب أي مبادرة حكومية للحوار أو التهدئة، تزداد المخاوف من اتساع رقعة الاحتجاجات، خاصة أن المجموعة الداعية للحراك أعلنت نيتها مواصلة التظاهر، وهو ما يُنذر بتكرار سيناريوهات سابقة شهدتها البلاد في فترات سياسية دقيقة.

هل تتحول إلى حركة إصلاحية شاملة؟
رغم افتقار الحراك الحالي إلى قيادة واضحة أو برنامج سياسي مفصل، إلا أن اتساع رقعته الجغرافية وتماسك مطالبه يجعله مرشحًا لأن يتحول إلى حركة اجتماعية أكبر، خصوصًا إذا استمر الصمت الرسمي، وارتفعت وتيرة الاعتقالات.