ما حكم قراءة القرآن في العزاء وأخذ الأجرة على ذلك؟

اعتاد البعض أن تُتلى آيات القرآن في العزاء والمآتم، طلبًا للرحمة والمغفرة للميت ويبرز تساؤل ما حكم قراءة القرآن في العزاء وأخذ الأجرة على ذلك؟
وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء أن قراءة القُرَّاء للقرآن الكريم في المناسبات، سواء في المآتم أو سرادقات العزاء، وأخذ الأجر على ذلك، أمرٌ مشروع جرى عليه عمل المسلمين عبر العصور من غير إنكار، وصار في مصر عادةً مستقرة وعلامة بارزة من علامات حضارتها. ومن يدَّعي أن هذا الفعل بدعة، فإنه يضيّق ما وسَّعه الله ورسوله ﷺ من الاجتماع على الذكر، وتلاوة كتاب الله، ومواساة القلوب وجبر الخواطر في لحظات الفقد.
والفتوى بجواز هذا الأمر لا تعني أن يُتَّخذ وسيلة للمباهاة أو التفاخر، بل ينبغي أن يكون المقصد منه إحياء سُنَّة العزاء، وإهداء ثواب التلاوة للميت، مع حرص الحاضرين على الإصغاء والخشوع والإنصات لكلام الله بما يليق بجلاله. كل ذلك مع الالتزام بالضوابط والاشتراطات التي تحددها الجهات المختصة فيما يخص التصاريح والتنظيم.
قراءة القرآن من أجلِّ القربات
يُعَدُّ تلاوة القرآن الكريم من أعظم القُرُبات إلى الله تعالى، فقد دلّت السنة النبوية المطهرة على أن القرآن يشفع لأصحابه يوم القيامة، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ» رواه مسلم وأحمد.
حكم إقامة سرادقات العزاء
الحديث عن قراءة القرآن في سرادقات العزاء يقتضي أولًا بيان حكم إقامة هذه السرادقات.
فإقامة السرادقات أو تخصيص أماكن واسعة لاستقبال المعزين أمر مشروع، يدخل في معنى ما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين جلس يُعرف فيه الحزن عند استشهاد جعفر وزيد وابن رواحة رضي الله عنهم. وقد فهم كثير من العلماء من هذا الحديث مشروعية الجلوس للتعزية بسكينة ووقار.
واختلف الفقهاء: فالجمهور يرون أن الجلوس للعزاء مكروه أو خلاف الأولى، بينما نص آخرون من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على الجواز، بل اعتبر بعضهم أن الحاجة ترفع الكراهة، خاصة إذا صار عدم الجلوس مدعاةً لإساءة الظن بأهل الميت أو اتّهامهم بالتقصير.
فضل التعزية
التعزية في الإسلام عبادة عظيمة، فقد وعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعزي بثواب كبير؛ فقال: «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» رواه الترمذي وابن ماجه. كما ورد: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إِلَّا كَسَاهُ اللهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
حكم قراءة القرآن في العزاء
أما تلاوة القرآن الكريم في مجالس العزاء فهي مشروعة، لأن الأمر بقراءة القرآن عام يشمل جميع الأزمنة والأمكنة والأحوال، ولا يجوز تقييده بغير دليل. بل إن جمع الناس على سماع القرآن أمر مندوب، وخاصة إذا كان القارئ حسن التلاوة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه وهو عليه شاق فله أجران» متفق عليه.
كما أن الاستماع للتلاوة مأمور به في كتاب الله: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204].
حكم أخذ الأجرة على التلاوة
يجوز شرعًا أن يتقاضى القراء أجرًا مقابل تلاوتهم، لأن الأجرة هنا في حقيقتها بدل عن احتباس القارئ وتفرغه للقراءة وانشغاله بها عن مصالحه. وقد دلّت السنة على جواز أخذ الأجر على كتاب الله، كما في حديث الرقية بالفاتحة حين قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللهِ» رواه البخاري. وهذا ما أقرّه جمهور الفقهاء من مختلف المذاهب.
ضوابط مالية
مع ذلك، ينبغي التنبه إلى أن تكاليف القراء أو السرادقات لا تُقتطع من تركة الميت إلا بعد موافقة الورثة، ولا يجوز أن يُمس نصيب القُصَّر، لأن أموالهم لا يجوز التصرف فيها إلا بما فيه نفع محض وبإذن المحكمة المختصة، وفقًا لأحكام قانون الولاية على المال