هل يلزم الشخص الـمُغْمَى عليه قضاء الصلاة التي فاتته أثناء الإغماء؟

في أحيان كثيرة يتعرض الإنسان لعارض صحي يُفقده وعيه لساعات أو لأيام، وقد يمتد الأمر إلى فترة أطول؛ فيُغلق عليه باب الشعور والقدرة على أداء العبادات، وعلى رأسها الصلاة التي هي عماد الدين.
فهل يلزم الشخص الـمُغْمَى عليه قضاء الصلاة التي فاتته أثناء الإغماء؟
أكدت دار الإفتاء أن المعتمد في الفتوى أن المغمى عليه لا يُطالَب بقضاء الصلوات التي فاتته أثناء فترة الإغماء، إلا إذا أفاق في جزء من وقت الصلاة، فعندها يلزمه أداؤها. أما إذا استمر إغماؤه مدةً طويلة، فيكفيه قضاء آخر خمس صلوات، ويُستحب له أن يقضي جميع ما فاته خروجًا من الخلاف.
آراء الفقهاء في قضاء المغمى عليه لما فاته من الصلوات أثناء الإغماء
أجمعت الأمة على أن الصلوات الخمس فرض عين لا تسقط بحال إلا عن غير المكلَّف؛ فقد نقل الإمام النووي في المجموع: “أجمعت الأمة على أن الصلوات الخمس فرض عين”. ولا يُعفى من التكليف إلا من زال عنه العقل أو لم يثبت له أصلاً، كما ورد في الحديث الشريف: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل» (رواه أحمد وأصحاب السنن). والمغمى عليه في حكم النائم كما قرر المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير فيُرفع عنه التكليف ويُعد الإغماء من أسباب سقوط الصلاة.
غير أن مسألة قضاء المغمى عليه لما فاته موضع خلاف بين الفقهاء:
• المالكية والشافعية: لا يجب على المغمى عليه قضاء الصلاة إذا استغرق الإغماء وقتها كله، وإنما يلزمه القضاء فقط إذا أفاق في جزء من الوقت. قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير : “فإن أغمي عليه حتى ذهب وقتها؛ لم يكن عليه قضاؤها”. وقال النووي في روضة الطالبين : “وأما مَن زال عقله بجنون أو إغماء فلا تجب عليه الصلاة ولا قضاؤها، سواء قلّ أو كثر، إذا استغرق الوقت”.
• الحنفية: ذهبوا إلى أن المغمى عليه إذا فاتته خمس صلوات فأقل وجب قضاؤها، أما إذا زادت فلا قضاء عليه استحسانًا؛ دفعًا للحرج لكثرة الفوائت. قال ابن نجيم في البحر الرائق : “من جن أو أغمي عليه خمس صلوات قضى، ولو أكثر لا”. وقد اختلفوا في ضابط الكثرة: فمحمد اعتبرها بالصلوات (ست صلوات فأكثر)، وأبو يوسف اعتبرها بالزمن (يوم وليلة).
• الحنابلة: الصحيح عندهم أن المغمى عليه يقضي جميع الصلوات التي فاتته، قلَّت أو كثرت. قال المرداوي في الإنصاف : “الصحيح من المذهب وجوبها – أي: الصلاة – عليه مطلقًا، وهو من المفردات”.
الرأي المختار للفتوى:
المعتمد هو ما ذهب إليه المالكية والشافعية ومعهم الحنفية، من أن المغمى عليه لا يلزمه قضاء ما فاته حال الإغماء، إلا إذا أفاق في جزء من وقت الصلاة فيجب عليه قضاؤها فقط. ويؤيد ذلك الحديث: «رُفع القلم عن ثلاثة…» حيث قيس المغمى عليه على المجنون والنائم. قال الشمس الرملي في نهاية المحتاج : “ولا قضاء على ذي حيض أو جنون أو إغماء… بعد إفاقته، حيث لم يكن متعديًا؛ لخبر رُفع القلم”.
وهذا القول أرفق بحال المغمى عليه، وفيه مراعاة لرفع الحرج الذي هو مقصد شرعي معتبر.