باعوها كأنها خردة.. أسورة المتحف المصري بين جهل خان الأمانة وطمع صَهر التاريخ

لم يكن صباح الثالث عشر من سبتمبر يوماً عادياً داخل أروقة المتحف المصري بالتحرير، حيث المبنى العريق الذي يضم بين جدرانه كنوزاً خالدة من حضارات مصر القديمة، استيقظ على فاجعة لم يتخيل أحد أن تحدث في قلبه الحصين.
فبينما اعتاد العاملون على تسجيل القطع الأثرية ومتابعة معمل الترميم الذي يحتضن أمانات التاريخ، دون السجلات في ذلك اليوم ملاحظة صادمة: اختفاء أسورة ذهبية أثرية نادرة، تعود للعصر المتأخر.
بداية الحكاية ببلاغ يفتح أبواب الصدمة
وكيل المتحف المصري وأخصائية الترميم كانا أول من لاحظا الغياب المفاجئ للأسورة من داخل الخزينة الحديدية المخصصة لحفظ القطع أثناء خضوعها لأعمال الصيانة والترميم، في البداية لم يصدقا الأمر، ربما تم نقلها لمكان آخر أو هناك خطأ في الإجراءات، لكن الفحص المتكرر أكد الحقيقة المُرة: الأسورة اختفت بالفعل.
بلاغ لإختفاء أسورة من المتحف
وعلى الفور تقدما ببلاغ رسمي إلى وزارة الداخلية، ليبدأ سباق الزمن في البحث عن قطعة لا تقدر بثمن، قطعة تحمل ذاكرة مصرية خالدة، ضاعت في لحظة بين أيادي لا تعرف معنى الأمانة.
خيوط الجريمة تكشف الأمانة التي تحولت إلى خيانة
تم تشكيل فريق من البحث الجنائي لفك لغز الواقعة، وعلى الفور انطلق بمراجعة كاميرات المراقبة وفحص سجلات الدخول والخروج، وبعد 4 أيام من التحريات، ظهرت المفاجأة الصادمة: وراء الجريمة لم يكن غريب تسلل من الخارج، بل موظفة من الداخل، أخصائية ترميم كانت مفترض أن تكون حارسة للأثر.
فقد استغلت الأخصائية موقعها الوظيفي وثقة الجميع بها، وخطفت الأسورة من داخل الخزينة بأسلوب المغافلة، في التاسع من سبتمبر، أي قبل أربعة أيام من اكتشاف الواقعة.

رحلة الأسورة من المتحف إلى الانصهار بمنطقة السيدة زينب
الجريمة لم تتوقف عند حدود السرقة فقط، فلم تكتفي الأخصائية بالاستيلاء على القطعة الأثرية، بل سارعت إلى التواصل مع أحد أقاربها، وهو صاحب محل فضيات في منطقة السيدة زينب بالقاهرة، وبلا أدنى تقدير للقيمة التاريخية، تسلم الأخير الأسورة وكأنها قطعة ذهبية عادية، ليبيعها لاحقاً لتاجر ذهب مقابل 180 ألف جنيه.
هنا بدأت مرحلة جديدة من الجريمة ليمحوا المتهمين تاريخ الأسورة، حيث تجاهل التاجر كل القوانين وضميره المهني، وتعامل مع الأسورة كأنها مجرد سبائك خردة ، فقام ببيعها لعامل بورشة ذهب مقابل 194 ألف جنيه.
الصهر يمحو التاريخ
العامل بدوره لم يتردد لحظة، ووضع الأسورة داخل فرن المسبك، لتذوب بين مصوغات أخرى، ويمحى معها تاريخ يمتد لآلاف السنين، قطعة أثرية نادرة اختفت تحت مطرقة الطمع، ليقتل الأثر مرتين، مرة بخيانة موظفة خانت عهدها، ومرة ثانية بصهر الذهب وفقدان قيمته الأثرية التي لا تعوض.
لحظة سقوط الجناة في قبضة الأمن
لم تكن تكتمل خيوط الجريمة دون عقاب، فالأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية، وبفضل تتبع مسار بيع الأسورة وجمع المعلومات، تمكنت من ضبط جميع المتورطين في القضية.
وقد اعترفت الأخصائية خلال التحقيقات بسرقتها وخيانتها للأمانة، بينما أقر التاجر والعامل بتفاصيل البيع والصهر، وتم العثور على المبالغ المالية حصيلة الجريمة بحوزتهم، وتمت إحالتهم جميعاً للتحقيق لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.