دار الإفتاء توضح حكم ختام الصلاة جهرا.. هل هو بدعة؟

أثارت قضية ختام الصلاة بالذكر والجهر به جدلًا بين بعض المصلين، حيث يرى البعض أن هذا الفعل يُعد بدعة غير مأخوذ بها، بينما يؤكد آخرون جوازه بل وفضله في بعض الحالات.
حكم ختام الصلاة جهرا
وفي هذا السياق، أوضحت دار الإفتاء المصرية الرؤية الشرعية حول حكم ختام الصلاة جهرًا، مشيرة إلى أن الأمر واسع ويتسع للخلاف، ولا داعي لإثارة الخلاف والفرقة بين المسلمين حول هذه المسألة.
وأشارت الدار إلى أن الأمر في الذكر عقب الصلاة ورد في القرآن الكريم بصورة مطلقة، حيث قال الله تعالى في سورة النساء:
﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا ٱللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: 103]،
والآية جاءت على صيغة الإطلاق التي تشمل كل أنواع الذكر سواء كان جهرًا أو سرًا، حتى يأتي ما يُقيّده في الشرع.
كما أوضحت دار الإفتاء أن السنة النبوية تدلّ على جواز الجهر بالذكر عقب الصلاة، حيث روى الإمامان البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رفع الصوت بالذكر كان معمولًا به في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ابن عباس يتعرف على انقضاء الصلاة من خلال سماع الذكر الجهر بعد الصلاة.
ولفتت إلى أن العلماء اختلفوا في هذا الشأن بين من يرى جواز الجهر، ومن يفضل الإسرار بالذكر والدعاء بعد الصلاة، إلا أن الاتفاق بينهم على جواز كل منهما قائم، ويُستحب اختيار الأسلوب المناسب حسب الظروف.
ونقلت دار الإفتاء عن صاحب "حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح" قوله:"إن ذلك يختلف بحسب الأشخاص والأحوال والأوقات والأغراض، فإذا خاف الإنسان الرياء أو تأذى به أحد كان الإسرار أفضل، وإذا فُقد ذلك كان الجهر أفضل".
واختتمت الدار بالدعوة إلى التسامح والابتعاد عن إثارة الخلاف في مثل هذه المسائل، مؤكدة أن الاختلاف في هذه الأمور جائز، وينبغي ترك الناس على سجاياهم، فمن شاء جهر ومن شاء أسر، لأن أمر الذكر واسع، والعبرة بما يجد المسلم في قلبه من خشوع وإخلاص.
ما حكم الاستعاذة قبل القراءة في الصلاة؟
تُعَدُّ الاستعاذة قبل تلاوة القرآن الكريم من السنن التي اعتاد عليها المسلمون في صلواتهم وخارجها، فهي افتتاحٌ مبارك يقي القلب واللسان من وساوس الشيطان، ويهيئ القارئ للخشوع وحضور القلب مع كلام الله تعالى.
غير أن السؤال الذي يتكرر: هل تُشرع الاستعاذة في الصلاة كما تُشرع خارجها؟ وما حكمها عند الفقهاء، وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء عن مفهوم الاستعاذة : هي اللجوء والاعتصام بالله عزَّ وجلَّ، يقال: عاذ فلان بربه يعوذ عوذًا؛ إذا لجأ إليه واعتصم به، وعاذ وتعوَّذ واستعاذ بمعنى واحد. ينظر: "تهذيب اللغة" للإمام محمد الهروي.
ومقصود الاستعاذة قبل قراءة القرآن: هي نفي وساوس الشيطان عند القراءة. ينظر: "تفسير الرازي".
حكم الاستعاذة قبل القراءة في الصلاة
الاستعاذة قبل القراءة في الصلاة سُنَّة من سنن الصلاة مطلقًا، سواء كانت صلاة فريضة أم نافلة، على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء؛ من الحنفية والشافعية والحنابلة في المذهب؛ مستدلين على ذلك بعموم قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: 98].
ولما رُوِي عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين افتتح الصلاة قال: «اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، والْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثم قال: أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرجيم مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده".
وما ورد عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه أنه قام يُصَلِّي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَيْطَانِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ» رواه عبد الرزاق في "المصنف" واللفظ له، وأحمد في "المسند".
قال الإمام أبو البركات النسفي الحنفي في "كنز الدقائق" عند عدِّه سنن الصلاة: [وسننها: رفع اليدين للتحريمة، ونشر أصابعه، وجهر الإمام بالتكبير، والثناء، والتَّعوذ] ه.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" : [قال الشافعي والأصحاب: يستحب التَّعوذ في كل صلاة، فريضة أو نافلة أو منذورة، لكلِّ مصلٍّ من إمام ومأموم ومنفرد ورجل وامرأة وصبي وحاضر ومسافر وقائم وقاعد ومحارب، إلَّا المسبوق الذي يخاف فوت بعض الفاتحة لو اشتغل به] .
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني": [الاستعاذة قبل القراءة في الصلاة سُنَّة، وبذلك قال الحسن، وابن سيرين، وعطاء، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي] .
وفي رواية عن الإمام أحمد أنَّه واجب؛ قال الإمام المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" : [(وسنن الأقوال اثنا عشر: الاستفتاح، والتعوذ).. وعنه أنهما واجبان، اختاره ابن بطة، وعنه: التعوذ وحده واجب، وعنه: يجب التعوذ في كلِّ ركعةٍ] .
وقال عطاء بالوجوب أيضًا؛ بناء على ظاهر الأمر الوارد في الآيات. ينظر: "البناية" للإمام بدر الدين العيني.