عاجل

أصدر المشرّع المصري القانون رقم 14 لسنة 2025 ليحل محل القانون رقم 12 لسنة 2003 بعد أكثر من عقدين من التطبيق العملي الذي كشف عن قصور في حماية العمال أمام التطورات الاقتصادية والاجتماعية. وقد جاء القانون الجديد في إطار التزام الدولة بمبدأ العدالة الاجتماعية المنصوص عليه في الدستور المصري (م 8، م 12)، وبما يتفق مع المعايير الدولية للعمل، خاصة اتفاقيات منظمة العمل الدولية (ILO) التي صدقت عليها مصر.

أولًا: أهم المميزات الفارقة عن القانون القديم

1- إلغاء استمارة (6) والحد من الفصل التعسفي

القانون الجديد حسم واحدة من أخطر وسائل الفصل التعسفي التي كانت شائعة في ظل القانون القديم، وهي "استمارة 6". إذ ألزم أن تكون الاستقالة صادرة بإرادة العامل ومصدّقًا عليها من الجهة الإدارية المختصة (مادة 106). كما اشترط في الفصل التأديبي صدور حكم قضائي من المحكمة العمالية المختصة. وهذا يعكس تقاربًا مع اتفاقية العمل الدولية رقم 158 لسنة 1982 بشأن إنهاء علاقة العمل، والتي تشترط وجود سبب مبرر وإجراءات عادلة للفصل.

2- الإجازات السنوية

نص القانون الجديد (مادة 113) على منح العامل 15 يومًا مدفوعة الأجر خلال السنة الأولى، مقابل اشتراط مرور ستة أشهر في القانون القديم (مادة 47 من قانون 12 لسنة 2003). ويُعد هذا تطورًا إيجابيًا يحقق التوافق مع اتفاقية العمل الدولية رقم 132 لسنة 1970 بشأن الإجازات السنوية.

3- إجازة الوضع للمرأة العاملة

ارتفعت مدة إجازة الوضع إلى 120 يومًا مدفوعة الأجر (مادة 139)، يمكن تكرارها ثلاث مرات طوال مدة الخدمة، بدلًا من شهرين فقط مرتين في القانون السابق. وهو ما يتفق مع اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 183 لسنة 2000 بشأن حماية الأمومة، التي تحدد حدًا أدنى لإجازة الوضع بـ14 أسبوعًا.

4- فترة الاختبار

حدد القانون الجديد فترة الاختبار بثلاثة أشهر فقط (مادة 38)، بما يتوافق مع المعايير الدولية التي تشترط ألا تتجاوز فترة التجربة المدة اللازمة لتقييم العامل.

5- التأمين الاجتماعي وحفظ الملفات

ألزم القانون أصحاب الأعمال بتسجيل العمال في التأمينات الاجتماعية فور التعيين (مادة 8)، وأوجب حفظ ملفاتهم لمدة خمس سنوات على الأقل (مادة 11). هذا الإجراء يهدف إلى ضمان الشفافية والتوثيق الكامل لحقوق العمال.

6- تنظيم ساعات العمل

حدد القانون الحد الأقصى لساعات العمل عند 48 ساعة أسبوعيًا (مادة 94)، بحيث لا تزيد ساعات العمل اليومية عن ثماني ساعات متضمنة ساعة للراحة. ويتوافق هذا مع اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 1 لسنة 1919 بشأن تحديد ساعات العمل في الصناعة بـ48 ساعة أسبوعيًا.

7- العقود محددة المدة

ألزم القانون صاحب العمل بتعويض العامل في حال إنهاء العقد المحدد قبل مدته بما يعادل شهرًا عن كل سنة متبقية (مادة 127). وهو ما يعكس التزامًا بمبدأ التعويض العادل عن الفصل المبكر.

8- مكافحة التحرش والتنمر

استحدث القانون تعريفات واضحة للتحرش والتنمر داخل بيئة العمل (مادة 152 وما بعدها)، وأقر عقوبات رادعة، بما ينسجم مع التزامات مصر بموجب اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 190 لسنة 2019 بشأن القضاء على العنف والتحرش في عالم العمل.

ثانيًا: الملاحظات النقدية والثغرات

رغم ما تضمنه القانون من إيجابيات، فإن القراءة القانونية تكشف عن بعض الملاحظات:

1. التأمين الاجتماعي منذ اليوم الأول: لم ينص القانون بشكل صريح على الإلزام بالتأمين الصحي والاجتماعي اعتبارًا من أول يوم عمل، وهو ما قد يثير إشكاليات عملية رغم أن الفلسفة العامة للنصوص تسير في هذا الاتجاه.


2. العمل في العطلات الرسمية: لم يُحدد المشرع مضاعفة الأجر بشكل صريح (مثل ثلاثة أضعاف)، بل ترك الأمر للتفاوض (مادة 115)، ما يضعف موقف العامل.


3. ساعات عمل النساء: لم يرد نص صريح يحدد نطاق ساعات عمل المرأة (رغم تداول بعض المقترحات)، وهو ما قد يُترك لاجتهاد اللائحة التنفيذية.
ا

4. العمل الإضافي في حالات الطوارئ: لم يضع القانون تفصيلًا دقيقًا للحد الأقصى لساعات العمل في الظروف الاستثنائية، ما قد يتيح تجاوز الحد المشروع.

يمثل القانون رقم 14 لسنة 2025 نقلة تشريعية نوعية مقارنة بالقانون رقم 12 لسنة 2003، حيث عزز من الضمانات الإجرائية في الفصل، وحسّن منظومة الإجازات، واعترف بأنماط عمل جديدة، وتبنى لأول مرة حماية صريحة من التحرش والتنمر في بيئة العمل. غير أن نجاح هذا القانون مرهون بآليات التنفيذ الفعالة، والرقابة الصارمة على أصحاب الأعمال، فضلًا عن وعي العمال بحقوقهم. ومن ثم، فإن التحدي الحقيقي لا يكمن في النصوص، وإنما في التطبيق العملي لها، بما يترجم مبادئ العدالة الاجتماعية وكرامة العمل إلى واقع ملموس.

تم نسخ الرابط