ما حكم تأخير سنة الصبح بدعوى التأكد من دخول وقت الفجر؟

أكدت دار الإفتاء أنه لا يجوز تأخير سُنّة الفجر إلى ما بعد أداء الفريضة بحجة عدم دقة وقت صلاة الصبح؛ إذ إن التوقيت المعمول به الآن صحيحٌ ومعتمد، أقرّه أهل الاختصاص، وهو ما استقرّت عليه اللجان العلمية المعتبرة.
أما الادعاء بوجود خطأ في هذا التوقيت فباطل، لا يستند إلى دليل شرعي ولا إلى أساس علمي صحيح، وهو قول صادر من غير المتخصصين، وفيه تجاوز لأهل العلم وأهل الذكر، فضلًا عن كونه سببًا في تشتيت وحدة المسلمين بعدما اجتمعوا على ما قرره العلماء والمختصون.
لذلك لا يجوز اعتناق هذا القول أو نشره بين الناس، ولا يليق إثارة مثل هذه القضايا إلا داخل الأوساط العلمية المتخصصة
علامات دخول وقت صلاة الفجر
وقت الفجر يُعرَف بظهور العلامات التي بيَّنها الشرع الشريف، حيث يكون بانتشار الضوء المستطير في الأفق. وقد وضّح النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك في سنته بيانًا جليًّا، ففرّق بين الفجر الصادق المستطير الذي ينتشر ضياؤه عرضًا في الأفق فيدخل به وقت الصلاة، وبين الفجر الكاذب المستطيل الذي يبدو كعمود من نور صاعد إلى السماء، وهو لا يُعتَبر وقتًا للصلاة.
وقد وردت في ذلك أحاديث صحيحة؛ منها ما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ …»، وبيَّن فيه الفرق بين الفجرين بالإشارة بيديه.
كما روى أبو داود والترمذي عن طَلْق بن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُوا وَاشْرَبُوا، وَلَا يَهِيدَنَّكُمُ السَّاطِعُ الـمُصْعِدُ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا، حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمُ الأَحْمَرُ»، أي حتى يظهر البياض المعترض الممزوج بأوائل الحمرة.
وجاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا قوله: «الْفَجْرُ فَجْرَانِ…» مميزًا بين الفجر الكاذب الذي لا يُحل ولا يُحرِّم شيئًا، والفجر المستطير الذي يحرّم الأكل ويُبيح الصلاة.
الرد على دعوى الخطأ في توقيت الفجر
علماء الفلك المسلمون والمتخصصون في المواقيت قد استوعبوا هذه العلامات الشرعية، وضبطوها بالمعايير الفلكية الدقيقة، فخرجت بها اللجان العلمية إلى التوقيت المعمول به حاليًّا، وهو التوقيت الصحيح الواجب العمل به.
ومن ثمَّ، فلا ينبغي إثارة الجدل في مثل هذه القضايا إلا في الدوائر العلمية المتخصصة التي تضم أهل الخبرة من الفلكيين والعلماء، ليصدر عنهم قرار موحّد يجتمع عليه المسلمون؛ امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83]. وما لم يظهر خلاف معتبر من جهة متخصصة، فالأصل بقاء العمل بالتوقيت الجاري، حفاظًا على وحدة المسلمين وتجنّبًا للاجتهادات الفردية المفرقة.
وقد أكّد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مثل هذا السياق وحدة الأمة في الشعائر بقوله: «الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ، وَالأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ» (رواه الترمذي).
أما الدعوى القائلة بخطأ التوقيت الحالي فهي دعوى لا أساس لها، لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية العلمية، بل هي تجاوزٌ على أهل التخصص، ومخالفة لما اجتمع عليه المسلمون بالاعتماد على قول العلماء.
ومن الشواهد المؤيدة لصحة التوقيت ما يشهده الناس من عادة الديكة في الصياح عند دخول وقت الصلاة، وهو ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلَاةِ» (رواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم). وقد ذكر العلماء أن الديك يدرك أوقات الليل بدقة عجيبة، حتى أجاز بعض الفقهاء الاعتماد على صياحه عند الاشتباه في تحديد الوقت.
ومع ذلك، فالمقصود من ذكر صياح الديك ليس الاعتماد عليه وحده كعلامة دخول الوقت، بل هو أمارة تُعضِّد العلامات الشرعية الثابتة. وقد نص جماعة من العلماء على أنه عند الاشتباه يجوز الاعتداد بصياحه المجرّب لإفادة غلبة الظن بدخول الفجر.
وبذلك يظهر أن التوقيت الحالي لصلاة الفجر صحيح، وأن ما يثار حوله من دعاوى الخطأ لا يُعوَّل عليه، بل يجب ردّه وعدم نشره بين الناس، حفاظًا على وحدة الكلمة واجتماع المسلمين