الشلل السياسي في اليابان.. لحظة تستغلها واشنطن وبكين بعناية

تواجه اليابان اليوم واحدة من أعقد لحظاتها السياسية منذ عقود، بعد أن خسر الحزب الليبرالي الديمقراطي، الذي هيمن على السلطة لنحو سبعين عامًا، ثقله داخل البرلمان، إلى جانب شريكه التقليدي في الائتلاف "حزب كوميتو".
هذا الانهيار السياسي غير المسبوق فتح الباب أمام صعود مفاجئ لأحزاب يمينية شعبوية، أبرزها حزب "سانسيتو"، الذي ضاعف عدد مقاعده من مقعد وحيد إلى 14 مقعدًا، مدفوعًا بخطاب معادٍ للأجانب.
وبحسب مجلة فورين أفيرز، فإن التحالف الحاكم لأول مرة يجد نفسه في موقع الأقلية، في وقتٍ يتعاظم فيه النفوذ الشعبوي، ويزداد ضعف المؤسسات السياسية. الأزمة الداخلية تعمّقت مع فضائح تمويل داخل الحزب الحاكم، أدت إلى تفكيك نظام "الفصائل"، الذي كان يدير الصراعات الداخلية للحزب، لكنه حين انهار، أطلق حالة من التشرذم داخلية.
غضب شعبي وصعود اليمين
ساهمت التضخم المتسارع، والانخفاض الحاد في قيمة الين، والسياسات الحكومية المرتبكة كالمِنح النقدية المحدودة، كلها في تعميق فجوة الثقة بين الحكومة والمواطنين.
كما وفر تصاعد دور وسائل التواصل الاجتماعي منصةً مباشرة للأحزاب الصغيرة واليمينية للوصول إلى جمهور ناقم على الأداء الاقتصادي، والتغيرات الديموغرافية، والهجرة.
وقد نفى مسؤولون حكوميون مؤخرًا شائعات حول قبول مهاجرين أفارقة، لكن الذعر الذي أثارته تلك الأنباء أظهر حجم القلق الشعبي، الذي تستثمر فيه الأحزاب الشعبوية بخطاب يقوم على رفض الآخر والانغلاق القومي.
تداعيات خارجية وفراغ استراتيجي
لم تبق الأزمة السياسية الداخلية في اليابان حبيسة الشأن المحلي، حيث إن طوكيو تعاني لتفسير اتفاق تجاري وقّعته مع الولايات المتحدة، والذي فرض تعريفات جمركية على سلعها، وألزمها باستثمارات ضخمة داخل الاقتصاد الأمريكي، دون ضمانات متبادلة أو وضوح في الشروط.
وتجد الحكومة الضعيفة صعوبة متزايدة في مواجهة إدارة ترامب، التي باتت أكثر تقلبًا في سياساتها تجاه التحالفات الأمنية والتجارية.
وفي ظل هذا الفراغ، تزداد قدرة الصين على التمدد إقليميًا، في وقتٍ يصعب على اليابان القيام بدورها التقليدي كقوة توازن واستقرار في آسيا، وغياب القيادة السياسية يجعل من الصعب مقاومة النفوذ الصيني، أو الحفاظ على تحالفات تجارية وأمنية إقليمية قائمة، خاصة مع تراجع طوكيو عن انخراطها المعتاد في مشاريع الشراكة الحرة وممرات الملاحة الآمنة.
تحديات داخلية ومستقبل ضبابي
تُهدد الأزمة السياسية في اليابان مستقبلها الاقتصادي والديموغرافي، حيث تؤدي النزعة الانعزالية إلى تقليص قدرة البلاد على جذب العمالة الماهرة، ما يفاقم أزمة الشيخوخة وتراجع معدل النمو.
ويدعو تقرير فورين أفيرز إلى إصلاح سياسي شامل، يتضمن تجديد الرؤية الاقتصادية، وتضييق الفجوة بين الأجيال، وتفادي الوقوع في فخ اليمين المتطرف، إذا ما أرادت اليابان استعادة موقعها كقوة استقرار دولي.
وتقف اليابان اليوم عند مفترق طرق حاسم: فإما أن تنجح في إعادة ترميم نظامها السياسي واستعادة تماسكها الداخلي، أو تواصل الانحدار وتترك فراغًا استراتيجيًا يصعب على المنطقة، بل وعلى العالم، ملؤه في ظل تحولات جيوسياسية متسارعة.