ثروت الخرباوي يكشف أسرار التربية داخل الإخوان: صناعة الدونية والانقياد للمرشد

قدّم الدكتور ثروت الخرباوي، الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة وأحد المنشقين البارزين عنها، شهادة جديدة تكشف تفاصيل صادمة حول منهج التربية الداخلية الذي اتبعته قيادات التنظيم لترسيخ مبدأ الخضوع المطلق للمرشد.
جاء ذلك خلال لقائه في برنامج "مساء جديد" المذاع عبر قناة المحور الفضائية، حيث أوضح ثروت الخرباوي أن الإخوان لا يكتفون بزرع أفكار عقائدية أو سياسية في عقول الشباب، بل يعملون على تشكيل وعي نفسي قائم على الشعور بالدونية والتقليل من قيمة الفرد أمام التنظيم وقياداته.
إشعار العضو بالدونية
وأكد "الخرباوي" أن الجماعة تمتلك قسماً خاصاً للتربية، تولى قيادته على مدى سنوات مصطفى مشهور، ثم محمود عزت، وصولاً إلى محمد بديع، هذا القسم وضع قواعد صارمة تفرض على كل عضو أن يشعر بأنه أقل من الجماعة، وأقل من المرشد بمسافة بعيدة، حتى يذوب تماماً في الكيان ولا يرى لنفسه قيمة خارجه.
وأضاف أن من الأدبيات المكتوبة داخل التنظيم أن "الأخ الذي يسقط من شجرة الإخوان لا قيمة له، بل يصبح مثل ورقة يابسة تدوسها الأقدام"، وهو تعبير صريح عن أن الفرد بلا الجماعة لا يساوي شيئاً، كذلك تنتشر بين الأعضاء مصطلحات مثل "إخواننا فوق عارفين"، التي تزرع داخلهم يقيناً بأن القيادة وحدها تملك المعرفة والحكمة، بينما عليهم هم الطاعة بلا نقاش.
مختار نوح نموذجًا
وأوضح ثروت الخرباوي أن هذا المنهج لم يكن مجرد نظريات، بل تمت ترجمته إلى ممارسات عمليةـ وضرب مثالاً بتجربة صديقه مختار نوح، الذي تم تجنيده مباشرة من قيادات كبرى مثل عمر التلمساني، دون المرور عبر القواعد التنظيمية، ورغم قربه من المرشد، فوجئ نوح بأن مسؤوله المباشر في "الأسرة الإخوانية" منعه من زيارة التلمساني إلا بعد أخذ إذن مسبق، في إشارة واضحة إلى أن الولاء يجب أن يمر عبر التسلسل التنظيمي، وليس عبر العلاقات الإنسانية أو الفكرية.
وأشار ثروت الخرباوي إلى أن هذه الحادثة تكشف عن طبيعة الجماعة التي تتحكم حتى في أبسط تفاصيل العلاقات بين أعضائها، وتجعل كل فرد رهيناً لإذن قيادته المباشرة، حتى لو كان على علاقة شخصية بالمرشد العام نفسه.
الإحساس بالزعامة الفردية
كشف ثروت الخرباوي أن الجماعة كانت تراقب بدقة أي شعور بالاستقلال أو الزعامة يظهر لدى الأعضاء، حتى وإن كان ناتجاً عن نجاح مشروع أو وصول إلى منصب سياسي، وضرب مثالاً بانتخاب مختار نوح نائباً في البرلمان عام 1987، حيث شعرت القيادة أن نجاحه قد يمنحه إحساساً بالتفوق على بقية الإخوان، فقررت نقله من أسرته التنظيمية إلى أسرة أخرى يقودها شخص أقل منه علماً وثقافة، فقط لإعادته إلى "حالة الدونية" التي تفرضها التربية الإخوانية.
وبيّن أن هذه الممارسات تؤكد أن الجماعة لا تسمح لأي فرد بأن يشعر بأنه قادر على اتخاذ قرار مستقل أو يمتلك قيمة شخصية خارج حدود السمع والطاعة.
صناعة عقل الجماعة
وخلص "الخرباوي" إلى أن الإخوان يمارسون استبداداً داخلياً منظماً يبدأ من تربية الفرد على أن الجماعة "أب وأم وحياة كاملة"، وأنه بلاها لا شيء. هذا المنهج يحوّل العضو إلى مجرد أداة في يد القيادة، يردد أفكارها وكأنها صادرة من داخله، ويقتنع بأن طاعته العمياء واجب ديني وتنظيمي.
وأكد أن هذا النمط من التربية لا يهدف فقط إلى إحكام السيطرة الداخلية، بل يُعدّ حجر الأساس لفكر الجماعة القائم على اعتبار المرشد فوق الجميع، والعضو العادي مجرد تابع بلا قيمة. ومن هنا، يفسر كيف تحولت الجماعة إلى تنظيم مغلق على ذاته، يعيد إنتاج الاستبداد داخل صفوفه قبل أن يحاول فرضه على المجتمع إذا ما وصل إلى السلطة.

شهادة تفضح منهج الإخوان
أشار ثروت الخرباوي إلى أن هذه الحقائق ليست مجرد ذكريات شخصية، بل موثقة في كتب الإخوان وأدبياتهم، كما هي واضحة في سلوكياتهم التنظيمية. وأكد أن ما يرويه ليس للتشهير، وإنما لتذكير الرأي العام بحقيقة هذا التنظيم، خاصة أن بعض الناس ينسون سريعاً أو يُخدعون بالشعارات البراقة التي يرفعها.
وختم ثروت الخرباوي حديثه قائلاً: إن فهم طبيعة التربية داخل الإخوان يكشف سر قوة التنظيم من ناحية، وسر خطورته من ناحية أخرى، إذ أنه يصنع أفراداً منزوعي الإرادة، مبرمجين على الطاعة، مستعدين للتضحية بكل شيء من أجل الجماعة والمرشد.