نيويورك تايمز: ترامب نسف 3 عقود من الدبلوماسية الأمريكية في صيف واحد

على مدار ثلاثة عقود، عملت الولايات المتحدة الأمريكية على تعزيز شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع الهند، مستثمرة في هذه العلاقة بوصف نيودلهي قوة صاعدة وسوقًا هائلًا يمكن أن يشكل توازنًا أمام التوسع الصيني في آسيا.
لكن هذا البناء الذي استغرق سنوات من العمل الدبلوماسي، تعرض لهزة شديدة خلال بضعة أشهر فقط من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بحسب ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن سلسلة من الرؤساء الأمريكيين، من بيل كلينتون إلى جو بايدن، اعتبروا الهند حليفًا طبيعيًا، وركيزة مركزية في سياسة واشنطن تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادئ، في حين تجاوبت نيودلهي تدريجيًا، متخلية عن حذرها التاريخي المتأصل منذ حقبة الاستعمار والحرب الباردة.
غير أن هذه الثقة تعرضت لما وصفه مراقبون بـ"الزلزال الدبلوماسي"، نتيجة لتصريحات ترامب الأخيرة وإجراءاته التي أثارت استياءً عميقًا في الأوساط السياسية الهندية.
غضب الهند من ترامب
من أبرز ما أثار غضب نيودلهي، تفاخر ترامب بلعب دور "الوسيط" في نزاع حدودي محدود مع باكستان، رغم أن هذا الملف لطالما اعتبرته الهند شأنًا داخليًا سياديًا لا يقبل الوساطات الخارجية.
والأكثر استفزازًا من ذلك، بحسب الصحيفة، كان استقبال ترامب في البيت الأبيض لقائد الجيش الباكستاني الجنرال سيد عاصم منير، الذي سبق أن قاد جهاز الاستخبارات العسكرية، في ما اعتبره خبراء محاولة أمريكية لإعادة إحياء الحضور التقليدي لإسلام آباد في السياسات الإقليمية لواشنطن.
لكن الضربة الأقسى، وفق التقرير، جاءت حين شنّ ترامب هجومًا على الاقتصاد الهندي ونعته بـ"الميت"، تزامنًا مع فرض رسوم جمركية عقابية وصلت إلى 50% على صادرات نيودلهي إلى السوق الأمريكية.
ولم تضعف هذه الإجراءات فقط قطاعات صناعية وتجارية كبرى في الهند، بل وُصفت بأنها "رسالة سياسية واضحة" تعبّر عن تحول جوهري في النظرة الأمريكية للهند كشريك استراتيجي.
التوتر بين أمريكا والهند
ولم يتوقف الأمر عند الجانب الاقتصادي؛ بل كان للانعكاسات السياسية الداخلية في الهند نصيبٌ كبير من التوتر، فقد وحّدت سياسات ترامب قوى سياسية متباينة داخل الهند في موقف موحّد ضد واشنطن، بعدما كانت هذه القوى شديدة الانقسام حول مختلف القضايا.
أما على الصعيد الشخصي، فقد تلقّت صورة رئيس الوزراء ناريندرا مودي ضربة قوية، بحسب المراقبين. فمودي الذي طالما روّج لعلاقته المميزة مع قادة عالميين، وعلى رأسهم ترامب الذي بات اليوم في موقف حرج بعد أن بدت تلك العلاقة وكأنها تحوّلت إلى عبء سياسي.
ويرى محللون أن "انهيار الأسطورة" حول الشراكة الخاصة بين الهند وأمريكا قد يترك أثرًا بعيد المدى يتجاوز الخسائر الاقتصادية.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن الخسارة الأكبر قد تكون من نصيب الولايات المتحدة نفسها؛ فبعد سنوات من بناء جسور الثقة مع أكبر ديمقراطية في العالم، جاء هذا الانهيار السريع ليقوّض كل ما تم تحقيقه.
ورغم احتمالية أن تدفع المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة نحو إعادة ترميم العلاقات، إلا أن "الثقة المنكسرة" ستظل تحديًا كبيرًا، وقد تقلص قدرة واشنطن على الاعتماد على الهند كحليف أساسي في مواجهة الصين.