ممر داوود.. المشروع الإسرائيلي الذي ينذر بإعادة تشكيل خرائط المنطقة

في تقرير حديث لوكالة "سبيشال يوراسيا" المتخصصة في التحليل الجيوسياسي، وُصف مشروع "ممر داوود" الإسرائيلي بأنه خطة استراتيجية طموحة تهدف إلى إحداث تحول جذري في موازين القوى في منطقة المشرق العربي، وسط تحركات ميدانية إسرائيلية تعكس خطوات جدية نحو تنفيذها، رغم غياب إعلان رسمي من قبل تل أبيب.
ممر داوود.. أكثر من مجرد جغرافيا
يمتد هذا المشروع من مرتفعات الجولان المحتلة، ماراً بمناطق تحت سيطرة القوات الكردية شمال شرق سوريا، وصولاً إلى إقليم كردستان في العراق. لكن "ممر داوود" ليس مجرد خط جغرافي؛ بل يُنظر إليه كأداة متعددة الأبعاد: سياسية، اقتصادية، ديموغرافية وأمنية، تهدف لتعزيز النفوذ الإسرائيلي في منطقة تعج بالتنافسات الإقليمية.
ويعتبر هذا المشروع جزءاً من رؤية إسرائيلية أوسع، تشمل ممرات أخرى مثل "نتساريم" في قطاع غزة، و"فيلادلفيا" على الحدود مع مصر، في إطار ما يبدو أنه مشروع هندسة جيوسياسية يهدف لإعادة رسم خرائط السيطرة والنفوذ في المنطقة.

الأهداف الاستراتيجية للممر
ينطوي "ممر داوود" على أربعة محاور استراتيجية متداخلة على النحو التالي :
-الأمن: يسعى المشروع إلى قطع الطريق البري الذي تستخدمه إيران لنقل الأسلحة والإمدادات إلى "حزب الله" في لبنان، مما يشكل ضربة مباشرة لنفوذ طهران في سوريا وجنوب لبنان.
وتأتي الغارات الإسرائيلية المكثفة على البنية التحتية العسكرية السورية، خاصة بعد سقوط نظام الأسد، لتؤكد هذا التوجه، مع تركيز واضح على مناطق مثل السويداء.
-الاقتصاد: تعمل إسرائيل، من خلال هذا الممر، على إحكام قبضتها على الموارد الطبيعية الحيوية، خاصة المياه والأراضي الزراعية الخصبة في حوضي دجلة والفرات.
وتكتسب مناطق مثل دير الزور أهمية استراتيجية كبيرة بفضل إنتاجها الوفير من القمح، مما يجعلها هدفاً رئيسياً ضمن خطة أوسع لتحويل سوريا إلى مركز زراعي وتجاري يخضع لنفوذ إسرائيلي، بالتوازي مع مبادرات اقتصادية كبرى مثل "الممر الهندي، الشرق أوسطي الأوروبي (IMEC)".
-السياسة والديموغرافيا: يسعى المشروع إلى إعادة تشكيل الخريطة السكانية في سوريا عبر دعم الكيانات العرقية والطائفية مثل الطائفة الدرزية والمجتمعات الكردية.
ويهدف هذا التوجه إلى إضعاف السلطة المركزية في دمشق، وتعزيز التفكك الداخلي، بما يخدم المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية على المدى الطويل.
تهديدات متعددة الأبعاد
ينذر مشروع "ممر داوود" بتهديدات تتجاوز حدود سوريا، لتمس بشكل مباشر وحدة العراق وإيران، خاصة أن إقامة كيانات حكم ذاتي كردية أو درزية قد تُشعل نزعات انفصالية مشابهة في هذين البلدين.
في الجانب الآخر، تشمل خطط إسرائيل تمديد أنابيب مياه من نهري دجلة والفرات لتأمين إمدادات مائية لحلفائها، مما قد يُقلص من حصة سوريا والأردن من هذه الموارد، وبشكل خاص في مناطق كحوض اليرموك وسهل حوران.
كما أن السيطرة على مناطق إنتاج القمح في الرقة ودير الزور تمثل تهديداً مباشراً للأمن الغذائي السوري، وتزيد من هشاشة البلاد أمام الضغوط الاقتصادية.
التداعيات الإقليمية
دعم إسرائيل للمكون الكردي في شمال شرق سوريا أدى إلى توتر كبير مع تركيا، التي تعتبر أي تحرك لتقوية النزعة الكردية تهديداً لأمنها القومي، وقد أبدى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مواقف حازمة تجاه ما وصفه بمحاولات تقسيم سوريا، محذراً من احتمال اللجوء إلى تدخل عسكري إذا استمر الوضع في التصاعد.
من جهة أخرى، يضع المشروع العراقيل أمام الطرق التجارية الحيوية التي تربط تركيا بدول الخليج، مما يزيد الضغوط الاقتصادية على أنقرة ويُعقّد المشهد الإقليمي أكثر.
في السياق ذاته، فإن تقليص قدرة إيران على تزويد "حزب الله" بالإمدادات يعزز من التفوق العسكري الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، ويرفع احتمالية اندلاع مواجهة جديدة في هذا المحور.
عقبات تنفيذ مشروع ممر داوود
رغم الطموحات الكبيرة، يواجه مشروع "ممر داوود" تحديات متعددة قد تُعيق تنفيذه:
الرفض الإقليمي والدولي: تصطدم إسرائيل بمعارضة قوية من إيران وتركيا وروسيا، إذ تلجأ هذه القوى إلى تقديم الدعم لوكلائها في المنطقة، إلى جانب الضغط السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية.
المقاومة المحلية: في مناطق مثل السويداء ودرعا، يرفض السكان المحليون أي تغيير ديموغرافي أو تدخل خارجي، مما يهدد بإشعال حركات مقاومة قد تُفشل المشروع ميدانياً.
الضغوط العسكرية والمالية: يحتاج المشروع إلى قدرات عسكرية وتمويلية ضخمة، في وقت تواجه فيه إسرائيل تشتيتاً كبيراً لقواتها في عدة جبهات، من اليمن إلى غزة، مروراً بجنوب سوريا والضفة الغربية، ما يُضعف قدرتها على تنفيذ المشروع بخطى ثابتة.
التعقيدات الاجتماعية: التنوع الديموغرافي في سوريا، وخصوصاً في مناطق مثل دير الزور والسويداء، يجعل من الصعب كسب تأييد محلي مستدام دون إشعال توترات داخلية أو صراعات أهلية.
نظرة مستقبلية
يعد "ممر داوود" مشروعاً محفوفاً بالمخاطر، في بيئة إقليمية مضطربة، ورغم ما يُقال عن دعم أمريكي ضمني، لا تزال الخطة تواجه مقاومة شديدة ومعوقات عملية تجعل نجاحها محل شك.
ويذهب بعض المحللين إلى اعتبار المشروع جزءاً من رؤية أيديولوجية أوسع لـ"إسرائيل الكبرى"، لكنها تبقى حتى اللحظة رؤية أكثر منها خطة قابلة للتنفيذ، في ظل غياب تفاصيل واضحة أو اعتراف رسمي مباشر.
وبينما يبقى المشهد مفتوحاً على كل الاحتمالات، لا شك أن "ممر داوود" بات يمثل نقطة اشتعال جديدة في صراع النفوذ الإقليمي، قد تقود المنطقة نحو مزيد من التصعيد وعدم الاستقرار.