عاجل

بعد التوصل لوقف إطلاق النار.. كيف دفعت غزة ثمنًا باهظًا لجرائم إسرائيل؟

قصف إسرائيلي على
قصف إسرائيلي على غزة

بعد ما يناهز العام والنصف على العدوان الإسرائيلي المدمر بقطاع غزة، والذي أسفر عن استشهاد عشرات الآلاف ودمار واسع النطاق وأزمة إنسانية غير مسبوقة طالت أكثر من 2 مليون مدني، تم التوصل إلى اتفاق وقف النار وإنهاء معاناة غزة بفضل نجاح الوساطة المصرية.

ومساء أمس، أعلن وزير الخارجية ورئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عن نجاح جهود الوساطة المشتركة التي قادتها الولايات المتحدة وقطر ومصر في التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحركة حماس لوقف إطلاق النار في قطاع غزة و تبادل الأسرى والرهائن.

ولكن كيف أصبح شكل القطاع وساكنيه بعد 15 شهرًا من الحرب؟

15 شهرًا من الحرب في غزة

عندما بدأت العمليات البرية الإسرائيلية بعد أسبوع من أحداث طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، توقع معظم المراقبين في إسرائيل وخارجها أن يستمر القتال لأسابيع، لكن تحول الأمر إلى أطول حرب خاضتها دولة الاحتلال منذ نكبة 1948.

الحرب في غزة
الحرب في غزة

وبحسب وزارة الصحة في قطاع غزة، فقد استشهد أكثر من 46 ألف فلسطيني داخل غزة بسبب الهجمات الإسرائيلية، غالبيتهم من المدنيين، ويمثل العدد الإجمالي حوالي 2٪ من سكان غزة قبل الحرب، أو واحد من كل 50. وتم التعرف على أكثر من 40 ألف شهيدًا، بما في ذلك 13319 ضحية طفل، أصغرهم يبلغ من العمر بضع ساعات فقط. ومن بين القتلى المسنين مسن يبلغ من العمر 101 عامًا.

كما أصيب 110 آلاف آخرين، يعيش أكثر من ربعهم الآن بإصابات غيرت حياتهم بما في ذلك البتر والحروق الشديدة وإصابات الرأس.

إلا أن دراسة نُشرت هذا الشهر، كشفت أن الحصيلة الرسمية للشهداء أكثر بكثير من الحصيلة الرسمية المعلنة من داخل القطاع، مؤكدةً أن العدد الإجمالي قد لا يقل عن 70 ألف شهيدًا، بعدما أدى الجوع ونقص المأوى والأدوية والانتشار السريع للأمراض المعدية وانهيار نظام الرعاية الصحية إلى استشهاد العديد من الفلسطينيين الآخرين خلال الحرب.

وقال الدكتور مروان الهمص، مدير المستشفيات الميدانية بوزارة الصحة، لصحيفة "جارديان" البريطانية إن السلطات تخطط لإحصاء القتلى عندما يتوقف القتال.

الحرب في قاع غزة
الحرب في قاع غزة

ويشكك المسؤولون الإسرائيليون في عدد القتلى الذي قدمته السلطات في غزة، بحجة أنه بسبب سيطرة حماس على الحكومة هناك، لا يستطيع مسؤولو الصحة في غزة تقديم أرقام موثوقة. لكن الأطباء والموظفين المدنيين في المنطقة لديهم سجل موثوق به من الحروب الماضية. بعد عدة صراعات بين عامي 2009 و 2021، وضع محققو الأمم المتحدة قوائمهم الخاصة بالقتلى ووجدوا أنها تتطابق بشكل وثيق مع قوائم القتلى من غزة.

التهجير والدمار الشامل

لقد أدت حملة القصف الجوي المكثف والهدم الشامل التي شنتها إسرائيل إلى تدمير مساحات واسعة من غزة، وجعلت أحياء بأكملها غير صالحة للسكن. ولقد دمر أو تضرر تسعة من كل عشرة منازل في القطاع، وفقاً لأحدث الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة. كما تعرضت المدارس والمستشفيات والمساجد والمقابر والمتاجر والمكاتب للقصف بشكل متكرر.

وبلغ الدمار حدًا غير مسبوق حيث رأي بعض الخبراء حسب الصحيفة البريطانية، أن التدمير الواسع النطاق للمنازل والبنية الأساسية للحياة اليومية ينبغي أن يُعَد جريمة حرب جديدة، وهي القتل العمد.

وأسفر العدوان الإسرائيلي عن نزوح نحو 1.9 مليون شخص، أي 90% من السكان، واضطر العديد منهم إلى الانتقال مرات عديدة، والآن، يعيش مئات الآلاف في مدن خيام وملاجئ مكتظة بشدة مع سوء الصرف الصحي وقلة الوصول إلى المياه النظيفة.

دمار كبير في قطاع غزة

وبحسب الأمم المتحدة، لكي تبدأ عملية إعادة الإعمار، سوف تحتاج غزة إلى عملية إعادة تأهيل شاملة،  فقد خلفت الحرب أكثر من 40 مليون طن من الحطام في المباني المنهارة التي قد تكون ملوثة بالمتفجرات بما في ذلك الأفخاخ والقنابل غير المنفجرة. وقد يستغرق الأمر أكثر من 10 سنوات لإزالة هذه الأنقاض.

كما تعرضت كل المباني المدرسية تقريبا إلى التدمير والخراب ولم يعد أي منها صالحا للاستخدام، ولم يتمكن 660 ألف طفل في سن الدراسة في غزة من الوصول إلى التعليم الرسمي لأكثر من عام.

وقد توصلت دراسة أجراها أكاديميون من كامبريدج والأمم المتحدة إلى أن الحرب من شأنها أن تعيد التعليم هناك إلى الوراء بما يصل إلى خمس سنوات، وتهدد بخلق جيل ضائع من الشباب الذين يعانون من صدمات نفسية دائمة.

دمار قطاع غزة 
دمار قطاع غزة 

وبحسب تقرير لمنظمة اليونسيف، فقد بلغ عدد المباني المدرسية في غزة 564 مبنى في 7 أكتوبر 2023. ومن بين هذه المباني، تضررت أو دمرت 534 مدرسة، وصنفت 12 مدرسة على أنها "متضررة بشكل محتمل". كما تم تحويل المدارس التي تديرها وكالة الأونروا للمدارس الفلسطينية إلى ملاجئ طارئة. تستضيف هذه المدارس أعدادًا كبيرة من النازحين وهي محددة بوضوح على الخرائط، لكن العديد منها تعرضت للقصف، وتم استهداف بعضها عدة مرات.

ودُمر ما لا يقل عن نصف غطاء الأشجار في غزة، وتلوثت التربة والمياه، وهناك أضرار جسيمة للأراضي الزراعية. ويقول علماء البيئة والأكاديميون إن هذا الدمار سيكون له آثار طويلة الأجل على النظم البيئية والتنوع البيولوجي والأمن الغذائي وصحة السكان.

وتوصلت "هيومن رايتس ووتش" إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي ألحق الضرر أو دمر ما لا يقل عن 31 من 54 خزاناً للمياه بحلول أواخر أغسطس. كما تسببت بقايا سامة من الذخائر والحرائق في تلويث التربة وإمدادات المياه.

وكانت أشكال أخرى من الضرر غير مباشرة. فعندما قطعت إسرائيل إمدادات الوقود والكهرباء والمواد الكيميائية خلال الأسبوع الأول من الحرب، اضطرت جميع محطات معالجة مياه الصرف الصحي ومعظم محطات ضخ مياه الصرف الصحي إلى الإغلاق، مما أدى إلى طفح مياه الصرف الصحي في البحر والمياه الجوفية.

وفي ظل نقص المساعدات على نطاق واسع، أحرق سكان غزة الجائعون والباردون البلاستيك السام وقطعوا الأشجار لاستخدام الخشب كوقود للطهي.

المستشفيات .. جحيم آخر

ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي، تعمدت قوات الاحتلال استهداف المستشفيات ومحاصرتها وارتكاب مجازر وحشية هناك.

وقالت منظمة الصحة العالمية في يناير 2025 إن عدد الهجمات على المرافق الصحية سُجل منذ بداية الحرب بلغ 654 هجوماً. واستشهد أكثر من 1050 من العاملين في مجال الرعاية الصحية، بما في ذلك الممرضات والمسعفين والأطباء وغيرهم من العاملين في المجال الطبي، وكثير منهم في مكان عملهم. كما اعتُقل العشرات، واستشهد ثلاثة على الأقل في الحجز الإسرائيلي.

وفي نهاية عام 2024، كان 17 مستشفى فقط من أصل 36 مستشفى في غزة تعمل جزئيا. وقد تعززت الخدمات بوجود 11 مستشفى ميدانيا، لكن الحصار الإسرائيلي على دخول العاملين في مجال الإغاثة والمساعدات جعل هذه المستشفيات تفتقر في كثير من الأحيان إلى الأطباء والإمدادات الطبية.

خلصت لجنة تابعة للأمم المتحدة إلى أن "الهجمات الإسرائيلية المتواصلة والمتعمدة على العاملين والمرافق الطبية" تشكل جرائم حرب. وقد توصلت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى أن هذه الإجراءات كانت بمثابة "سياسة منظمة لتدمير نظام الرعاية الصحية في غزة كجزء من هجوم أوسع على غزة".

وقد أدى نقص المستشفيات والعاملين في مجال الرعاية الصحية والأدوية إلى تفاقم معاناة الأشخاص المصابين في الحرب، والمعاناة من الأمراض الناجمة عن نقص المأوى والغذاء والمياه النظيفة أو تفاقمها. وفي عام 2024، تم تسجيل أكثر من 1.2 مليون إصابة بالجهاز التنفسي، إلى جانب 570 ألف حالة إسهال حاد، وفقًا لأرقام الأمم المتحدة.

 

تم نسخ الرابط