عاجل

هل يجوز مقاطعة الابن العاق .. وما خطورة عقوق الوالدين؟ العلماء يوضحون

بر الوالدين
بر الوالدين

تعد مسألة التعامل مع “الابن العاق” من القضايا التي تثير قلق كثير من الأسر، حيث يتساءل الآباء والأمهات: هل يجوز شرعًا أن نقاطع الابن العاق ونقطع صلتنا به نهائيًا؟
وفي هذا السياق أكدت النصوص الشرعية أن العقوق من الكبائر، قال النبي ﷺ: “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين” (متفق عليه).
لكن رغم خطورة العقوق، شدد العلماء على أن الوالدين لا يجوز لهما هجر الابن العاق بشكل دائم، لأن ذلك يدخل في القطيعة المحرمة، بل عليهم الاستمرار في النصح والإحسان، مع إمكانية اتخاذ وسائل تربوية مؤقتة للردع والإصلاح

 

كيفية بر الوالدين والإحسان إليهما ؟ 


حثَّ الإسلام في تشريعاته على بر الوالدين والإحسان إليهما، وعدَّ ذلك من أعظم القُرَب وأجَلّ الطاعات، كما نهى بشدّة عن عقوقهما، وجعل العقوق من كبائر الذنوب الموجبة لسخط الله تعالى. وقد وردت نصوص كثيرة في القرآن الكريم والسنّة النبويّة تؤكّد هذا المعنى، وتُبرز مكانة الوالدين وحقهما العظيم على الأبناء.

فعقوق الوالدين لا يقتصر على الأفعال الظاهرة من السبّ والشتم أو الضرب والإهانة، بل يشمل كل تصرّفٍ يجرح مشاعرهما أو يُشعرهما بالاحتقار أو الإهمال، حتى أقلّ الكلمات؛ فالله تعالى نهى عن مجرّد قول كلمة “أفّ”، فقال سبحانه: ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23]. فإذا كانت كلمة يسيرة كهذه تُعدّ عقوقًا، فكيف بما هو أعظم من الكبرياء عليهما، أو الإساءة، أو الهجران، أو الحرمان من حقوقهما؟

وقد بيّن النبي ﷺ أن العقوق قد يقع بطريقة غير مباشرة أيضًا، كما ورد في قوله: «إنَّ مِن أكبرِ الكبائرِ أن يلعنَ الرَّجلُ والديهِ»، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وكيف يلعنُ الرَّجلُ والديهِ؟ قال: «يسبُّ الرَّجلُ أبا الرَّجلِ، فيسبُّ أباهُ، ويسبُّ أمَّهُ، فيسبُّ أُمَّهُ» [رواه البخاري ومسلم].

وعقوق الوالدين يُعدّ ثاني أكبر الكبائر بعد الشرك بالله، فقد قال ﷺ: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» ثلاثًا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين»، وكان متكئًا فجلس، فقال: «ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور» [رواه البخاري ومسلم]. بل بلغ الأمر أن النبي ﷺ لعن العاقَّ، فقال: «لعن الله من عقَّ والديه» [رواه الطبراني]. كما توعّد النبي ﷺ العاقَّ بحرمانه من دخول الجنة، فقال: «لا يدخلُ الجنَّةَ عاقٌّ، ولا منَّانٌ، ولا مدمنُ خمرٍ، ولا مكذّبٌ بقدرٍ» [رواه أحمد].

والعقوق لا يقف عند حدود الإساءة للوالدين فقط، بل يتجاوز ذلك ليُعدّ قطيعةً للرحم الكبرى، إذ الوالدان هما أقرب الأرحام وأعظمهم حقًا، ولذلك جاء في الحديث القدسي: «إنَّ اللهَ خلق الخلقَ حتى إذا فرغ من خلقه، قالتِ الرَّحِمُ: هذا مقامُ العائذِ بك من القطيعةِ، قال: نعم، أما ترضين أن أصلَ من وصلكِ وأقطعَ من قطعكِ؟ قالت: بلى يا ربِّ. قال: فهو لكِ» [رواه البخاري ومسلم].

التوبة من العقوق

من وقع في العقوق فعليه أن يُبادر إلى التوبة الصادقة، فهي الذنب الذي لا يُغفر إلا بصدق الأوبة إلى الله، مقرونًا بالاعتذار والبرّ والإحسان للوالدين. وتتحقق التوبة بترك الذنب فورًا، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة، مع الإكثار من الطاعات، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: 82]. ولا يكفي الاستغفار باللسان فقط، بل لا بد من تصحيح العلاقة مع الوالدين عمليًا، من خلال الاعتذار إليهما، وخفض جناح الذلّ لهما رحمةً، والدعاء لهما، وخدمتهما بالقول والعمل، والإحسان إليهما ماديًا ومعنويًا، واستعمال أرقّ العبارات عند الحديث معهما.

نماذج من السلف الصالح في البر

تزخر سير الصالحين بنماذج مضيئة في برّ الوالدين، تُظهر مقدار اهتمامهم بهذا الخُلق العظيم:
• كان علي بن الحسين لا يأكل مع أمه، فقيل له في ذلك، فقال: “أخشى أن تقع عيني على لقمةٍ أطيب مما أمامها فأمدّ يدي إليها، فأكون قد آثرت نفسي عليها”.
• وكان محمد بن سيرين إذا كلّم أمّه خفض صوته كالمصغي، حتى ظنّ الناس أنه مريض.
• ولما ماتت أمّ إياس بن معاوية بكى وقال: “كان لي بابان إلى الجنة، فأُغلق أحدهما”.
• وكان سفيان الثوري يقول: “ما جفوتُ أبي قط، وإن دعاني وأنا في صلاة نافلة قطعتها لأجيبه”.
• ورأى عبد الله بن عمر رجلًا يطوف بالكعبة حاملاً أمّه، فسأله: “أتراني جزيتها؟”، فقال: “لا، ولا بطلقةٍ من طلقاتها، ولكنك أحسنت، والله يجزيك على القليل كثيرًا”.
• وكان أبو هريرة يقف على باب أمّه إذا أراد الخروج فيسلم عليها، وتدعوا له، فيرد عليها بالدعاء، وظل ملازمًا برّها حتى ماتت.

صور بر الوالدين

يتحقق برّ الوالدين بأمور كثيرة منها:
1. التأدب في الكلام، وعدم التلفظ بما يدل على الضيق أو الغضب، امتثالًا لقول الله تعالى: ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ﴾.
2. إدخال السرور عليهما، كما أمر النبي ﷺ الرجل الذي ترك والديه يبكيان وهاجر، فقال له: «ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتَهما» [رواه أحمد].
3. الإنفاق عليهما بلا منّ ولا أذى، وهو واجب على الأبناء متى احتاج الوالدان.
4. طاعتهما في المعروف، وموافقتهما بالرأي ما لم يأمرا بمعصية أو ضرر.
5. الدعاء لهما بعد وفاتهما، فقد قال النبي ﷺ: «إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له» [رواه مسلم].
6. إكرام أصدقائهما بعد موتهما، فقد قال ﷺ: «إن من أبرِّ البرِّ صلةَ الولدِ أهلَ ودِّ أبيه» [رواه مسلم].

ثمرات رضا الوالدين

لرضا الوالدين آثار عظيمة على حياة الأبناء، منها:
• البركة في العمر والرزق، كما قال تعالى: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ [الرعد: 39].
• استجابة دعائهما، فقد قال ﷺ: «ثلاثُ دعواتٍ لا تُرد: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم» [رواه الترمذي].
• برّ الوالدين دليل كمال الإيمان، وهو طريق إلى الجنة.
• تفريج الكروب والابتلاءات ببرّهما والدعاء لهما

تم نسخ الرابط