قناديل البحر تربك الطاقة النووية في فرنسا وتطلق تحذيرا بيئيا مبكرا

في حادثة غريبة لكنها مقلقة بيئيًا، اضطرت شركة الكهرباء الفرنسية "EDF" إلى إيقاف أربعة من أصل ستة مفاعلات نووية في محطة غرافيلين شمال فرنسا، بعد تدفق هائل وغير متوقع لأعداد كبيرة من قناديل البحر إلى أنظمة التبريد الخاصة بالمحطة.
وأوضحت الشركة، بحسب ما نقلته مجلة بوليتيكو الفرنسية، أن ثلاثة مفاعلات توقفت تلقائيًا نتيجة انسداد أنظمة ضخ المياه، بينما تم إغلاق المفاعل الرابع احترازيًا. وأكدت أن الحادثة لم تمس الأجزاء النووية من المنشأة، وإنما اقتصرت على أنظمة الضخ التي تعتمد على مياه بحر الشمال في عمليات التبريد.
السلطات الفرنسية: الوضع تحت السيطرة
طمأنت "EDF" المواطنين والسلطات بأن الوضع تحت السيطرة، مشددة على أن الحادث لم يشكّل أي تهديد مباشر للعاملين أو البيئة المحيطة. ولفتت إلى أن المفاعلين المتبقيين في الخدمة يخضعان حاليًا لأعمال صيانة مجدولة، ما يعني أن إنتاج المحطة تأثر بشكل واضح في الوقت الحالي.
محطة غرافيلين تُعد من أكبر المحطات النووية في أوروبا الغربية، وتنتج كل وحدة من وحداتها الست نحو 900 ميغاواط، ما يغطي حوالي 60% إلى 70% من احتياجات الكهرباء السنوية لمنطقة أوت دو فرانس.
قناديل البحر.. عرض لمشكلة أعمق
رغم أن ظهور القناديل بكثافة في فصل الصيف يُعد ظاهرة طبيعية، إلا أن هذا العام شهد تزايدًا غير مسبوق في أعدادها، وهو ما دفع خبراء البيئة إلى دق ناقوس الخطر، معتبرين أن ما حدث هو "أكثر من مجرد خلل فني"، بل يعكس هشاشة البنية التحتية الحيوية أمام التغيرات المناخية المتسارعة.
بحسب باحثين، فإن ارتفاع درجات حرارة المياه، وتغيّر أنماط الرياح، وتراجع أعداد المفترسات الطبيعية للقناديل بسبب الصيد الجائر، كلها عوامل ساهمت في انفجار أعدادها، خاصة قرب السواحل الفرنسية.
ثلاثة أنواع مسؤولة عن الأزمة
ويُرجّح العلماء أن ثلاثة أنواع بحرية كانت وراء انسداد أنظمة التبريد على النحو التالي:
- القنديل القمري الآسيوي: نوع غازي انتشر في بحر الشمال منذ عام 2018.
- القنديل القرنبيط المحلي: يكثر ظهوره عادة في شهري يوليو وأغسطس.
- عنب البحر (Ctenophore): كائن صغير هلامي قادر على سد الأنابيب رغم صغر حجمه عند تكاثره بشكل مكثف.
ورغم أن هذه الكائنات تبدو بسيطة، فإنها تملك قدرة مذهلة على تعطيل أنظمة ضخمة مثل محطات الطاقة النووية.
ناقوس خطر لمستقبل الطاقة
الحادثة لم تخلف أضرارًا فورية، لكنها أثارت تساؤلات عميقة حول مدى تأهب فرنسا وغيرها من الدول للتعامل مع التحديات البيئية المتزايدة، خصوصًا أن ارتفاع حرارة البحار بات أمرًا متكررًا وليس استثنائيًا.
ويرى بعض المحللين أن ما جرى قد يكون جرس إنذار للسلطات الفرنسية من أجل التفكير في تطوير أنظمة تبريد أكثر قدرة على مواجهة الظواهر البيولوجية المفاجئة، وإدخال عوامل التغير المناخي ضمن حسابات تشغيل محطات الطاقة النووية.
الكائنات القديمة تُحذر من المستقبل
القناديل البحرية، التي تعود في وجودها إلى مئات ملايين السنين، أثبتت مرة أخرى أنها ليست مجرد كائنات عابرة على الشاطئ، بل مؤشر حيّ على الاضطرابات البيئية الكبرى التي بدأت تُغير ملامح المحيطات والبحار.
ويُحذر علماء البحار من أن تجاهل هذه الإشارات قد يؤدي إلى مزيد من الأزمات في البنية التحتية الطاقية، ويجعل حتى أكثر النظم الهندسية تطورًا عرضة للكائنات التي تجاوزت الانقراضات الكبرى عبر التاريخ.