التصدي لجرائم الاعتداء على الحيوانات.. ماذا قال الإسلام عن تعذيبها وقتلها؟

جاء إعلان النيابة العامة أمس بأن أي اعتداء على الحيوانات يعد فعلًا مُجرمًا بنصوص القانون، يرتب مسؤولية جنائية على مرتكبيه، ويشكل إخلالًا جسيمًا بالمنظومة القِيَمية والأخلاقية التي يقوم عليها المجتمع المصري عبر تاريخه الممتد، متسقًا مع صحيح الدين.
النهي عن تعذيب الحيوانات وقتلها وإيذائها
حيث جاءت السنة النبوية الشريفة بالوعيد الشديد والترهيب الأكيد من العبث بالحيوانات أو الطيور وإيذائها وقتلها على جهة اللهو؛ فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما مِن إنسانٍ قَتَلَ عُصفُورًا فما فَوقَها بغيرِ حَقِّها إلَّا سَأَلَه اللهُ عَزَّ وجَلَّ عنها»، قِيلَ: يا رسولَ اللهِ، وما حَقُّها؟ قال: «يَذبَحُها فيَأكُلُها، ولا يَقطَعُ رَأسَها ويَرمِي بِها» رواه الإمامان أحمد والنسائي وصححه الإمام الحاكم.
وعن الشَّرِيد بنِ سُوَيدٍ رضي الله عنه قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «مَن قَتَلَ عُصفُورًا عَبَثًا عَجَّ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ يَومَ القِيامةِ يَقُولُ: يا رَبِّ إنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِي عَبَثًا ولَم يَقتُلنِي لمَنفَعةٍ» رواه الإمامان أحمد والنسائي وصححه الإمام ابن حبان.
وعن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما أنه مَرَّ بفِتيانٍ مِن قُرَيشٍ قد نَصَبُوا طَيرًا وهم يَرمُونَه وقد جَعَلُوا لصاحِبِ الطَّيرِ كُلَّ خاطِئةٍ مِن نَبلِهم، فلَمّا رأوُا ابنَ عمرَ رضي الله عنهما تَفَرَّقُوا، فقالَ ابنُ عمرَ رضي الله عنهما: "مَن فَعَلَ هذا؟! لَعَنَ اللهُ مَن فَعَلَ هذا؛ إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيئًا فيه الرُّوحُ غَرَضًا" متفق عليه.
ورواه الطبراني في "المعجم الأوسط" عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولفظه: أنه مر بقوم قد نصبوا دجاجة يرمونها، فاختلعها، وقال: "مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا لَمْ يَمُتْ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى تُصِيبَهُ قَارِعَةٌ".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا» أخرجه الإمامان: مسلم في "صحيحه"، وأحمد في "المسند".
النهي عن التمثيل بالحيوان
وقد نصت الشريعة المطهرة على حرمة التمثيل بالحيوان، وجعلت ذلك طاعة للشيطان؛ فقال تعالى: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا﴾ [النساء: 119].
وجاءت السنة المطهرة بالوعيد الشديد واللعن لمن مثّل بالحيوان؛ فعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ مَثَّلَ بِذِي رُوحٍ ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مَثَّلَ اللهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه الإمام أحمد ورواته ثقات مشهورون.
وعن مالك بن نَضْلَةَ رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «هَلْ تُنْتِجُ إِبِلُ قَوْمِكَ صِحَاحًا آذَانُهَا فَتَعْمَدُ إِلَى الْمُوسَى فَتَقْطَعُهَا وَتَقُولُ: هَذِهِ بُحُرٌ، وَتَشُقُّ جُلُودَهَا وَتَقُولُ: هَذِهِ صُرُمٌ، فَتُحَرِّمُهَا عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «كُلُّ مَا آتَاكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ حِلٌّ، وَسَاعِدُ اللهِ أَشَدُّ مِنْ سَاعِدِكَ، وَمُوسَى اللهِ أَحَدُّ مِنْ مُوسَاكَ» رواه الإمام أحمد وصححه الإمام ابن حبان.
وعَنْ جَابِرِ بن عبد الله رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ -أي كُوِيَ- فِي وَجْهِهِ، فقال: «لَعَنَ اللهُ الَّذِي وَسَمَهُ» رواه الإمام مسلم.
وعَنْ جَابِرِ بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم حِمَارًا قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ يُدَخِّنُ مَنْخِرَاهُ، فقال: «لَعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا؛ أَلَمْ أَنْهَ أَنَّهُ لَا يَسِمُ أَحَدٌ الْوَجْهَ وَلَا يَضْرِبُ أَحَدٌ الْوَجْهَ» رواه الإمامان الترمذي وابن حبان وصححاه.
قال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الاستذكار": [حرَّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التمثيل بالبهائم، ونهى أن يتخذ شيئا فيه الروح غرضًا، ونهى أن تصبر البهائم، وذلك فيما يجوز أكله وفيما لا يجوز، وإجماع العلماء المسلمين على ذلك]
النيابة العامة تتصدى لجرائم الاعتداء على الحيوانات
انطلاقًا من القيم الدينية السامية التي حرمت إيذاء الحيوان، ورسخت في وجدان البشرية جمعاء مبادئ الرحمة والرفق به، وبالنظر إلى ما يُوجبه الخُلق الإنساني القويم من رعاية وإحسان إلى الكائنات الضعيفة التي سخَّرها الله تعالى للإنسان، فإن النيابة العامة تؤكد أن أي اعتداء على الحيوانات يعد فعلًا مُجرمًا بنصوص القانون، يرتب مسؤولية جنائية على مرتكبيه، ويشكل إخلالًا جسيمًا بالمنظومة القِيَمية والأخلاقية التي يقوم عليها المجتمع المصري عبر تاريخه الممتد.
وقد تابعت النيابة العامة باهتمام بالغ ما أُثير مؤخرًا من وقائع متداولة تضمَّنت صورًا وأفعالًا مؤلمة للتعدي على الحيوانات، أثارت في نفوس المواطنين استنكارًا واسعًا واشمئزازًا عميقًا، لما تحمله من قسوة وتجرد من أبسط معاني الرحمة التي تُجسِّد جوهر إنسانيتنا المشتركة. وتؤكد النيابة العامة في هذا المقام أن مثل هذه الممارسات لا تعد خروجًا عن قيم الدين والإنسانية فحسب، وإنما هي كذلك عدوان على سيادة القانون، ومساس بمسؤولية الفرد تجاه مجتمعه وبيئته.
وإذ تُشدد النيابة العامة على رفضها القاطع لمثل هذه الأفعال المشينة، فإنها تُعلن للرأي العام مباشرتها سلطاتها في التحقيق والمساءلة بلا تهاون، واتخاذها الإجراءات القانونية الرادعة حيال كل من يثبت ارتكابه أو مشاركته في تلك الجرائم، بما يحقق الردع العام والخاص، ويُعيد الاعتبار لقيم المجتمع وأخلاقياته.
كما تهيب النيابة العامة بالمواطنين أن يكونوا عونًا لها في حماية تلك القيم، وذلك من خلال الإبلاغ الفوري عن أي وقائع مماثلة، وصولًا إلى ضبط مرتكبيها ومساءلتهم، وصونًا لضمير المجتمع من التبلُّد أمام صور العنف والإيذاء أيًا كان محلها.