ما حكم بيع العملات الأجنبية عبر المنصات الإلكترونية؟.. الإفتاء توضح

أوضحت دار الإفتاء أنه يجوز شرعًا إجراء عمليات استبدال العملات الأجنبية عبر الإنترنت، بشرط أن يتم ذلك من خلال المنصات الإلكترونية المعتمدة والمرخَّص لها بتداول العملات، مع لزوم تسليم وقبض المقابل للطرفين بشكل فوري فور إبرام عقد الصرف، دون تأخير إلى وقت لاحق. كما ينبغي الالتزام بالضوابط والأنظمة والقرارات المنظمة لهذه المعاملات، حفاظًا على مصالح الأفراد واستقرار الأوطان
حكم بيع العملات عبر المنصات الإلكترونية
من الخصائص الجوهرية للمعاملات المالية في الشريعة الإسلامية أنها تقوم على تحقيق مصالح جميع أطراف العقد، بحيث لا ينشأ عنها ضرر مؤثّر بأحد الطرفين. وهذا الأصل إنما هو امتداد لمبدأ العدالة التامة التي رسّختها الشريعة، نظرًا لأن باب المعاملات في الإسلام قائم في الغالب على المشاححة لا على المسامحة.
ومن بين صور هذه المعاملات ما يُسمَّى بـ عقد الصرف، أي استبدال عملة بعملة أخرى، والذي يُعدّ من العقود التي عُرفت قديمًا، غير أن له صورًا حديثة مستجدة، منها التبادل أو البيع عبر المنصات الإلكترونية على شبكة الإنترنت.
صور تبادل العملات إلكترونيًّا
تصوّر هذه المعاملة في الواقع يأتي على طريقتين أساسيتين:
1. الصورة الأولى: أن يتفق الطرفان على استبدال عملة بعملة أخرى، ويقوم كل طرف بتحويل المبلغ المتفق عليه مباشرة إلى الطرف الآخر في نفس وقت إبرام العقد.
• وهذه الصورة جائزة شرعًا، لأن شرط الحلول والتقابض المطلوب في عقد الصرف متحقق فيها، حتى لو لم يتم القبض حسًّا باليد؛ إذ يكفي ما يُعرف بالقبض الحكمي أو الاعتباري. وهذا القبض قائم مقام القبض الحقيقي؛ لأنه يحقق المقصود وهو تمكين المتصرّف من التصرّف في ما قبضه فورًا.
• وقد أوضح أهل اللغة أن القبض يعني الأخذ والتملك والحيازة، ويُطلق كذلك على التمكّن من الشيء وإن لم يحصل تناوله باليد، كما في قولهم: “قبضت الدار”، أي ملكتها. وقد ورد في القرآن الكريم: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر: 63].
• والفقهاء عرّفوا القبض بأنه التخلية والتمكين، كما نص الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع، وابن قدامة في المغني وغيرهما، وهو ما يصدق على العمليات الإلكترونية الحديثة حيث يتمكّن العميل من التصرّف في رصيده مباشرة بعد التحويل.
2. الصورة الثانية: أن يتفق الطرفان على سعر الصرف، ثم يقوم أحدهما بتحويل عملته فورًا، بينما يؤخر الطرف الآخر التحويل عدة أيام – كما ورد في السؤال بخمسة أيام.
• هذه الصورة غير جائزة شرعًا، لأن من أهم شروط عقد الصرف أن يتم التقابض فورًا دون تأخير، لقول النبي ﷺ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ … مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» (متفق عليه).
• وقد أجمع الفقهاء على اشتراط الحلول والتقابض في معاملات الصرف، ومن ذلك ما ذكره الكاساني في بدائع الصنائع، والخطيب الشربيني في مغني المحتاج، والبُهوتي في الروض المربع وغيرهم، حيث أكدوا أن أي تأخير في تسليم أحد البدلين يُبطل العقد لوقوع ربا النسيئة.
اشتراط الجهات الرسمية والمرخصة
إضافة إلى ما سبق، فإنه يشترط أن يتم استبدال العملات عبر القنوات الرسمية المرخص لها من قِبل الدولة والبنوك المركزية، لما في ذلك من:
• حماية أطراف التعاملات من الاحتيال أو التلاعب.
• منع عمليات غسل الأموال أو المضاربة غير المشروعة.
• الحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني.
ولهذا حرّم المشرّع المصري التعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك والجهات المعتمدة، ونصّ في القانون رقم 194 لسنة 2020م على عقوبات رادعة، منها السجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات، وغرامة مالية لا تقل عن مليون جنيه ولا تتجاوز خمسة ملايين جنيه أو ما يعادل قيمة المبلغ محل الجريمة