في ذكرى ميلاده.. لماذا لم يصل جميل راتب إلي شهرة عمر الشريف؟

في مثل هذا اليوم 18 أغسطس، تحل ذكرى ميلاد الفنان الكبير جميل راتب (1926 – 2018)، أحد أبرز الوجوه التي جمعت بين العالمية والمحلية، والذي ظل حاضرًا بأناقته وروحه المتفائلة حتى سنواته الأخيرة، قبل أن يرحل عن عالمنا في 19 سبتمبر 2018، تاركًا إرثًا فنيًا مميزًا يمتد عبر المسرح والسينما والتليفزيون.
نشأة مبكرة وبدايات مختلفة
وُلد جميل أبوبكر راتب بالقاهرة عام 1926، ونشأ في أسرة ثرية ذات أصول تركية – مصرية بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة (التوجيهية)، التحق بمدرسة الحقوق الفرنسية، قبل أن يسافر إلى باريس لاستكمال دراسته ، ورغم أن أسرته رفضت بشدة دخوله مجال الفن واعتبرته “عيبًا”، إلا أن شغفه بالتمثيل انتصر، ليبدأ رحلته الفنية من فرنسا، بخلاف أغلب الممثلين المصريين الذين سعوا إلى العالمية بعد شهرتهم المحلية.
أول أعماله السينمائية كان فيلم “أنا الشرق” (1946) الذي جمعه بعمالقة مثل جورج أبيض وحسين رياض، لكنه استقر لاحقًا في باريس حيث قضى 28 عامًا صنع خلالها مسيرة مسرحية لامعة.
سنوات الكفاح في باريس
بمجرد علم أسرته بانضمامه إلى التمثيل، قاطعت دعمه المادي، ما اضطره للعمل في مهن متعددة مثل الجرسون، الترجمة، والتحميل في سوق الخضار إلى جانب التمثيل. تلك التجارب العصيبة صقلت شخصيته ومنحته انفتاحًا أكبر على الحياة والناس.
على خشبات المسارح الفرنسية، لفت الأنظار بأدائه القوي وعينيه الحادتين. الصحافة الفرنسية وصفت أداءه في مسرحية “الوريث” بقولها: “عندما يؤدي دوره يخطف أنظار الحضور بأدائه وعينيه”.
شارك جميل راتب في أكثر من خمسة أعمال لشكسبير، وأعمال لكبار الكُتّاب مثل كورناي وموليير، كما وقف على خشبة “الكوميدي فرانسيز”، أعرق مسرح فرنسي، وهو إنجاز نادر لممثل عربي في تلك الفترة.
عودته إلى مصر وبزوغ نجمه
رغم مشاركته في أعمال أجنبية بارزة مثل “لورانس العرب” (1962) إلى جانب عمر الشريف، وأدائه الصوتي في فيلم “عمر المختار” بطولة أنتوني كوين، إلا أن بداية شهرته الحقيقية في مصر جاءت بفيلم “الصعود إلى الهاوية” (1974) مع مديحة كامل.
وفي الدراما التلفزيونية، ترك بصمات خالدة من خلال شخصيات مثل:
• مفيد أبو الغار في الراية البيضاء.
• جدو أبو الفضل في يوميات ونيس.
على مدار مسيرته، قدّم جميل راتب نحو 67 فيلمًا، إلى جانب عشرات الأعمال المسرحية والتليفزيونية، وشارك في أفلام مغاربية في تونس والمغرب والجزائر مثل كش ملك وليلة القدر.
لماذا لم يصبح عالميًا مثل عمر الشريف؟
في لقاء سابق، أجاب جميل راتب عن سؤال تكرّر كثيرًا: لماذا لم يصل إلى نفس شهرة عمر الشريف عالميًا؟
قال جميل راتب: “العالمية تأتي عبر المشاركة في السينما الأمريكية التي كانت سائدة وقتها، عمر الشريف لعب أدوار بطولة في أفلام أمريكية كبرى، أما أنا فكنت أقدم أدوارًا ثانوية ولم يكن لدي نفس التفكير”.
ورغم ذلك، ظل يحظى باحترام واسع وتقدير عالمي، حيث كرمه معهد العالم العربي في باريس عن مجمل أعماله.
حياة شخصية هادئة وتقدير واسع
تزوج جميل راتب من فرنسية عملت بالتمثيل قبل أن تتجه لإدارة الإنتاج ثم تصبح مديرة لمسرح الشانزليزيه. كانت تعيش في باريس، وكان يزورها في منزلها الريفي كلما سافر إلى فرنسا.
خلال سنواته الأخيرة، ظل متمسكًا بإطلالته الأنيقة وروحه المتفائلة رغم المرض وفقدان صوته جزئيًا، محتفظًا بابتسامة لا تفارقه، حتى رحيله في 19 سبتمبر 2018 عن عمر ناهز 92 عامًا.
إرث خالد
ترك جميل راتب إرثًا فنيًا يوازن بين العمق والبساطة، وبين المحلية والعالمية. وظل رمزًا للفنان المثقف الذي حمل الفن رسالة، وجمع بين الوطنية والانفتاح. وفي ذكرى ميلاده، أحيا العديد من النجوم ذكراه عبر حساباتهم، مسترجعين صورًا ومواقف جمعتم به، ليؤكدوا أن جميل راتب لم يكن مجرد اسم في تاريخ الفن، بل روحًا جميلة ستبقى حاضرة دائمًا.