عاجل

مفتي الجمهورية: الحلم مدرسة أخلاقية تعزز التسامح وتحقق الاستقرار المجتمعي

مفتي الجمهورية
مفتي الجمهورية

أكد الدكتور نظير عياد -مفتي الجمهورية، أن خلق الحِلْم يعد من أعظم الأخلاق التي دعا إليها الإسلام وحث عليها النبي صلى الله عليه وسلم، مشددًا على أن الواقع الذي نعيشه أفرز العديد من العلاقات السلبية بين الأفراد داخل المجتمع، وبين أبناء الأسرة الواحدة، نتيجة غياب ثقافة الْتماس العذر والرضا به، وهو ما يؤدي إلى تفكك العلاقات وضعف الروابط الاجتماعية.

وأوضح مفتي الجمهورية، خلال لقائه الرمضاني اليومي مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج "اسأل المفتي" المذاع على فضائية "صدى البلد"، أن كثيرًا من المشكلات التي تواجهنا اليوم يمكن حلها لو تحلى الإنسان بالحِلْم والصبر، مشيرًا إلى أن البعض يتحجج بالظروف والواقع المعاصر باعتبارهما عائقين أمام التحلي بهذا الخلق، إلا أن التأمل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال لرجل من أصحابه: «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحِلْم والأناة» يكشف لنا مدى أهمية الحِلْم في تحقيق رضا الله ومحبة الناس.

وأشار مفتي الجمهورية إلى أن الحِلْم هو أحد المفاتيح التي يصل بها الإنسان إلى رضا الله تبارك وتعالى، مستدلًّا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب الحليم». وأضاف أن القرآن الكريم وصف عباد الله الصالحين بالحِلْم والتسامح في قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}، لافتًا النظر إلى أن المسلم ينبغي أن يسعى ليكون من هؤلاء الذين حازوا هذا الشرف العظيم.

وشدد على أن العلماء أكدوا أن المسلم ينبغي أن يلتمس لأخيه سبعين عذرًا، فإن لم يجد له عذرًا بعد البحث، فعليه أن يختلق له عذرًا حفاظًا على أواصر الأخوة والصداقة. وأوضح أن الأخلاق تنقسم إلى نوعين؛ فطري يولد به الإنسان، والآخر مكتسب يتأثر بالتربية والبيئة، مؤكدًا أن على الأسرة والمدرسة ودُور العبادة مسؤولية كبيرة في غرس القيم الأخلاقية كالحِلْم والتسامح في نفوس الأفراد منذ الصغر.

وأضاف أن التحلي بالحِلْم كان من أهم الصفات التي ميزت النبي صلى الله عليه وسلم، مشيرًا إلى قصته مع الرجل الذي حاول قتله، حيث أخذ سيف النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: "من يمنعك مني الآن؟" فأجابه النبي: «الله»، فارتعد الرجل وسقط السيف من يده، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم السيف وقال له: «ومن ينقذك مني الآن؟»، فقال الرجل: "عفوك" أو "الصفح أو الحِلْم"، فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم. وعلَّق المفتي على هذه القصة قائلًا: "إن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك أن هذا الرجل ربما لم يكن لديه اليقين الكافي بعظمة الله وهيمنته، فالتزم معه بالعفو والحِلْم ليعلمه درسًا في الإيمان والرحمة".

كما استشهد بموقف آخر يعكس حِلم النبي صلى الله عليه وسلم، حينما دخل أحد الأعراب إلى المسجد النبوي وبال فيه، فهاج الصحابة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يتركوه حتى ينتهي، ثم طلب منهم سكب الماء على المكان برفق، واستدعى الرجل وعرَّفه بحرمة المسجد وأهمية احترامه، مؤكدًا له أن هذه الأماكن جُعلت للطاعة والعبادة وليس لمثل هذه الأفعال.

وأوضح أن هذا التصرف النبوي الكريم يُعد درسًا عمليًّا في ضرورة تفهُّم الظروف المحيطة بالأشخاص، وعدم التسرع في إصدار الأحكام عليهم، فربما يكون أحدهم غير مدرك لطبيعة الأمور، مشيرًا إلى أن الذكاء الاجتماعي يقتضي قراءة المواقف بشكل جيد والتعامل معها بحكمة، فقد تكون بعض المواقف بحاجة إلى الحزم، بينما تتطلب أخرى الترفق والحِلْم.

المفتي يوضح العلاقة بين الحِلْم والصيام

وأوضح العلاقة بين الحِلْم والصيام، وقال إن الصيام مدرسة عظيمة لضبط النفس وتنمية الأخلاق، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم، إني صائم». وأوضح أن الصيام يساعد الإنسان على التحلي بمزيد من الصبر والرضا، كما يعلمه الْتماس الأعذار للناس، مؤكدًا أن بعض الصائمين لا يستفيدون من صيامهم إلا بالجوع والعطش، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب».

وأضاف أن أحد أهم مقاصد الصيام هو تهذيب النفس والتقليل من طغيانها وجبروتها، مشيرًا إلى أن شهر رمضان أشبه بـ"كورس تدريبي" لمدة ثلاثين يومًا على العفو وكظم الغيظ وضبط النفس، وأن من لم يستفد من هذه الفرصة فقد حرم نفسه من الخير الكبير الذي أعده الله للصائمين.

وأكد أن الحِلْم والعفو والتسامح من القيم التي تؤدي إلى تحقيق التماسك المجتمعي، مشيرًا إلى أن المحبة بين أفراد المجتمع هي أساس استقراره واستمراره، وأنه متى فقدت المحبة والتسامح، حلت الفرقة والنزاعات، مشددًا أن رمضان فرصة عظيمة لاكتساب هذه القيم وتطبيقها في حياتنا اليومية.

تم نسخ الرابط