من الغضب إلى التعاطف.. أسرار تعامل الآباء مع عصبية الأطفال بذكاء

في كثير من البيوت يتكرر مشهد مألوف وهو طفل يصرخ ووجهه قد احمر من شدة الغضب، قد يلقي بنفسه على الأرض أو يقذف بأقرب لعبة أمامه، أمام هذا الموقف الصعب، يقف الآباء والأمهات في حيرة بين القلق والإرهاق، مع رغبتهم في استعادة الهدوء سريعًا.
وتمثل نوبات الغضب والعصبية لدى الأطفال أحد أبرز التحديات في رحلة التربية، لكن خبراء علم نفس الطفل يؤكدون أن هذه اللحظات ليست نهاية المطاف، بل يمكن تحويلها إلى فرص ثمينة لتعليم الطفل مهارات حياتية مهمة تساعده على النمو بشكل صحي ومتوازن.
لماذا يغضب الأطفال؟
يشدد الخبراء على أن الخطوة الأولى للتعامل مع عصبية الطفل هي فهم السبب الجذري للمشكلة، فالطفل في سنواته الأولى لا يمتلك بعد النضج الكافي في المنطقة الأمامية من الدماغ المسؤولة عن التحكم في الانفعالات والتفكير المنطقي، لذلك، لا يقصد إزعاج والديه عمدًا، وإنما يستخدم سلوكيات انفجارية للتعبير عن مشاعره المكبوتة.
قد يكون السبب شعورًا بالإحباط لعدم قدرته على تركيب لعبة، أو الغيرة من اهتمام والديه بأخيه، أو شعورًا بالعجز لعدم حصوله على ما يريد،إدراك هذه الدوافع يساعد الوالدين على التعامل مع الموقف بوعي أكبر.
استراتيجيات لامتصاص غضب الطفل
مواجهة صراخ الطفل بصراخ مضاد يزيد الموقف اشتعالًا، ينصح الخبراء بالهدوء، وأخذ نفس عميق، والتحدث بنبرة منخفضة وحازمة، فالطفل يتعلم كيفية إدارة مشاعره من خلال مراقبة ردود أفعال والديه، وإذا شعر الأب أو الأم بفقدان السيطرة، يمكن الابتعاد لدقيقة قصيرة ثم العودة أكثر هدوءًا.
وهنا تتفق الدكتورة Becky Kennedy، الأخصائية النفسية الإكلينيكية بالولايات المتحدة، حيث تقول: “أفضل طريقة لتهدئة الطفل خلال نوبة غضب هي أن تفعل لا شيء”، مشيرة إلى أن ضبط الوالدين لأنفسهم هو المفتاح الأول لتهدئة الطفل، بدلًا من الدخول في صراع يزيد الموقف تعقيدًا.
ابحث عن السبب الحقيقي
ينصح الأخصائيون باستخدام قاعدة H.A.L.T (Hungry – Angry – Lonely – Tired) أي: هل الطفل جائع، غاضب، وحيد، أم متعب؟ فغالبًا ما تكون هذه الاحتياجات البسيطة هي الشرارة الأولى لنوبات الغضب، كما أن أحداثًا مدرسية أو ضوضاء زائدة قد تكون محفزًا رئيسيًا.
اعترف بمشاعره
استخدام عبارات مثل "اهدأ الآن" أو "الأمر لا يستحق" يُشعر الطفل بأن مشاعره غير مهمة، الأفضل الاعتراف بها قائلًا: "أفهم أنك غاضب لأن لعبتك انكسرت"، أو “أرى أنك محبط لأن البرج الذي بنيته انهار”، هذا الاعتراف يهدئ دفاعاته ويعلمه تسمية مشاعره.
وفر له بدائل للتعبير عن الغضب
الغضب شعور طبيعي، لكن يمكن توجيهه لطرق صحية، بعد أن يهدأ الطفل، ساعده على استخدام وسائل آمنة مثل الرسم، الضغط على كرة مطاطية، القفز أو الركض، أو تخصيص "ركن هدوء" في المنزل، الهدف أن يمتلك أدوات عملية لتفريغ انفعالاته بدلًا من تدمير الأشياء.
وفي تقرير نشره Times of India، أوضح الخبراء أن من أفضل الطرق للتعامل مع غضب الطفل "التسمية العاطفية" (Naming the Feeling) و"ركن الهدوء" (Calm Corner)، بالإضافة إلى "محاكاة حديث الطفل" (Mirror Talk) لبناء جسر تواصل أكثر أمانًا بين الطفل ووالديه، بعيدًا عن العقاب المباشر.
ما بعد النوبة: بناء الجسور من جديد
عقب انتهاء نوبة الغضب، تأتي لحظة مهمة وهي إعادة التواصل، هنا، ينصح باحتضان الطفل والتأكيد على أن الحب غير مشروط حتى في لحظات الغضب، يمكن الحديث معه ببساطة “عندما رميت اللعبة، كادت تنكسر، في المرة القادمة يمكن أن نذهب إلى ركن الهدوء”، هذه المحادثة القصيرة تعلمه المسؤولية دون إشعاره بالخجل من مشاعره.
التربية رحلة تحتاج إلى صبر
يؤكد الخبراء أن التعامل مع عصبية الأطفال ليس حلًا سريعًا بل رحلة طويلة تتطلب صبرًا وتكرارًا، لكن النتيجة تستحق: طفل أكثر ذكاءً عاطفيًا، قادر على إدارة مشاعره، ويثق بوالديه كمرشدين في عالم مليء بالتحديات.