مصر والأزهر: حصن الاستقرار الفكري والأمني في قلب صراعات الشرق الأوسط

يمرّ الشرق الأوسط - تلك البقعة الجغرافية ذات الثقل الحضاري والتاريخي والديني - بمرحلة مفصلية ستُحدّد ملامح مستقبله لعقود قادمة.
مصر والأزهر: حصن الاستقرار الفكري والأمني في قلب صراعات الشرق الأوسط
ففي خضمّ الصراعات المتلاحقة والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة، يبدو الشرق الأوسط وكأنه يرتدي ثوبًا جديدًا، في أجواء يكتنفها كثير من المخططات الخبيثة التي تهدف إلى إذكاء الفتن وتفتيت النسيج الاجتماعي لدول المنطقة.
وبالعودة إلى تاريخ هذه المنطقة، يتّضح أنها لم تنعم يومًا بحالة استقرار طويل الأمد، غير أن العقدين الأخيرين شهدا تسارعًا غير مسبوق في وتيرة الأزمات؛ بدءًا من الغزو الأميركي للعراق، مرورًا بفوضى “الربيع العربي” التي أفرزت دولًا مفككة وحروبًا أهلية، وصولًا إلى التصعيد الأخير في القضية الفلسطينية وما تبعه من تداعيات كارثية.
هذه الصراعات ليست مجرد أحداث عابرة، بل هي نتيجة تراكمات تاريخية وتشابك مصالح إقليمية ودولية، إلى جانب دعم من قوى تسعى لإعادة تشكيل الخريطة الإقليمية بما يخدم أجنداتها الخاصة.
المخططات الصهيونية في الشرق الأوسط
أما عن مستقبل المنطقة فلا يكتمل دون إدراك عمق وخطورة المخططات الصهيونية التي تستهدف الشرق الأوسط برمته.
هذه المخططات لا تقتصر على الاحتلال العسكري للأراضي الفلسطينية، بل تتعداه إلى التوسع الاستيطاني المُمنهج، والذي يهدف إلى تغيير ديموغرافية الأرض وسرقة الموارد، وتقطيع أوصال التجمعات الفلسطينية لإنهاء أية إمكانية لدولة فلسطينية ذات سيادة. كذلك تحقيق الحلم القديم المزعوم المتجدد الذي يرمي إلى إقامة هيمنة إسرائيلية على المنطقة، سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، عبر إضعاف الدول المحيطة بها، وزرع الفتن بين مكوناتها.
كما أن الكيان الصهيوني هو المستفيد الأكبر من حالة الفوضى والصراعات في المنطقة. فانتشار التنظيمات المتطرفة، سواء كانت دينية أو عرقية، يُضعف الدول ويُشتت جهودها، ويُقدم مسوغًا لوجود الاحتلال كواحة استقرار مزعومة، أو كشريك" في مكافحة الإرهاب، بينما هو في حقيقته يسهم في تغذيته بطرق مباشرة، وغير مباشرة.
كما يسعى الكيان الصهيوني إلى نسج شبكة من العلاقات الاقتصادية والأمنية مع بعض دول المنطقة، ليس لتعزيز السلام في حقيقة الأمر، بل لتحقيق مصالحه الإستراتيجية وتطبيع وجوده كونه قوة مهيمنة على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعوب. إن هذه المخططات، وإن بدت مُتفرقة، إلا إنها تُشكل منظومة متكاملة تسعى لزعزعة استقرار المنطقة، وتقويض أية فرصة لنهضتها ووحدتها، بما يضمن تفوق الكيان ويُحقق أطماعه التوسعية.
وفي خضم هذه التحديات والتداعيات والمخططات الخبيثة، تظل مصر، بجيشها وشعبها وإرادتها الصلبة، صخرة الصمود وقلب العروبة النابض الذي لا يمكن المساس به. لقد أثبتت التجربة التاريخية، ومستجدات الأحداث الراهنة، أن المحاولات اليائسة للنيل من استقرار مصر أو تفتيت وحدتها الوطنية قد باءت وستبوء بالفشل الذريع.
فقد أدركت القيادة المصرية، بوعيها العميق للمخاطر المحيطة، مبكرًا أن استهداف المنطقة يمر عبر إضعاف الدول الوطنية القوية. ولذلك، اتخذت مصر خطوات حاسمة لتعزيز وحدتها الوطنية، وبناء قوة عسكرية رادعة تحمي حدودها ومقدراتها، وتصون أمنها القومي من أي تهديد خارجي أو داخلي. هذه القوة ليست موجهة للعدوان، بل لردع الطامعين وحماية مكتسبات الشعب.
ولم تكتفِ مصر بحماية نفسها، بل امتد دورها ليُشكل سندًا قويًّا لدول الجوار والشقيقة. فعلى مدار التاريخ، كانت مصر ملاذًا آمنًا للأشقاء، ومُدافعًا صلبًا عن قضاياهم العادلة.
وفي الأزمات الراهنة، تبرز الجهود المصرية الدبلوماسية والإنسانية في دعم الشعب الفلسطيني، ومساندة الأشقاء في ليبيا والسودان، والسعي الدائم لتهدئة النزاعات وحقن الدماء، وهو ما يعكس التزامًا أصيلًا تجاه محيطها العربي والإفريقي.
وقد خاضت مصر حربًا ضروسًا ضد الإرهاب والتطرف على أرضها، قدمت فيها تضحيات كبيرة، ونجحت في دحر المخططات التي سعت لزعزعة استقرارها.
إن هذه التجربة المريرة منحتها خبرة فريدة في التعامل مع هذه الآفة، وأكدت أن التطرف لا دين له ولا وطن، وأن مكافحته تتطلب إرادة سياسية قوية، وتكاتف شعبي، ووعيًا فكريًّا تُسهم فيه المؤسسات الدينية الوطنية كالأزهر الشريف. ولا يخفى على أحد أن مصر تلعب مصر تلعب دورًا محوريًّا كبوصلة للاعتدال وميزان للاستقرار في المنطقة. فصوتها العاقل يدعو دائمًا إلى تغليب الحكمة، ونبذ العنف، وحل النزاعات بالطرق السلمية، والالتزام بمبادئ القانون الدولي.
هذا الدور يُسهم في إحباط عديد من المخططات التي تسعى إلى جر المنطقة نحو مزيد من الفوضى والصراع. فقوة مصر وتماسكها هي عامل حاسم في الحفاظ على استقرار المنطقة ككل، وهي رسالة واضحة بأن إرادة الشعوب الحرة، مدعومة بجيوشها الوطنية القوية، قادرة على إفشال أية مخططات تستهدف كيانها وسيادتها.
أيضًا، وكجزء أصيل من الجهود المصرية، وفي ظل تلك الأجواء المعقدة، يبرز دور مرصد الأزهر لمكافحة التطرف كخط دفاع أول في مواجهة هذه التحديات. فلا يقتصر دور المرصد على الردود السريعة على الأحداث، بل يقوم على رؤية إستراتيجية عميقة تستند إلى المرجعية الأزهرية الأصيلة، فمن خلال متابعة الأحداث يُدرك المرصد أن مخططات تفتيت المنطقة وتأجيج الصراعات تعتمد بشكل كبير على تضليل الرأي العام، وتزييف الحقائق، وتشويه المفاهيم.
لذا، يُركز المرصد على رصد الخطابات المضللة وتحليلها، سواء كانت صادرة عن الاحتلال أو عن التنظيمات المتطرفة، ويُقدم ردودًا فكرية وعلمية تكشف زيف هذه الادعاءات، وتُصحح المفاهيم المغلوطة.
كما يُفرق مرصد الأزهر بوضوح بين مفهوم المقاومة المشروعة للاحتلال، وهو حق كفلته الشرائع السماوية والقوانين الدولية، وبين الإرهاب والتطرف الذي يرتكب باسم الدين. فالمرصد يؤكد أن ما يقوم به الاحتلال من جرائم ضد الإنسانية يُعد إرهاب دولة مُمنهج، وأن مقاومة هذا الظلم ليست تطرفًا، بل هي واجب ديني وإنساني.
وفي الوقت ذاته، يُحذر المرصد من التنظيمات التي تستغل القضية الفلسطينية لتسويغ أعمالها الإرهابية أو لتحقيق مكاسب خاصة على حساب دماء الشعوب. وفي الوقت الذي تُعد الفوضى والصراعات بيئة خصبة لانتشار خطاب الكراهية والتحريض الذي تُغذيه تنظيمات التطرف.
يعمل المرصد على تحصين الشباب فكريًّا، وتوعيتهم بمخاطر الانجراف وراء هذه الأفكار الهدامة التي تُؤدي إلى الفتنة وتُضعف الأمة. ويتم ذلك من خلال رصد المحتوى المتطرف على وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديم محتوى بديل يقوم على قيم الوسطية، والاعتدال، والتعايش السلمي.
مرصد الأزهر والقضية الفلسطينية
كما أولى مرصد الأزهر القضية الفلسطينية على أنها قضية الأمة المركزية، وهي ليست قضية سياسية بحتة، بل هي قضية حقوقية وإنسانية ودينية في المقام الأول. لذلك، يُصدر المرصد البيانات التحليلية التي تُعري انتهاكات الاحتلال، وتُسلط الضوء على المعاناة الفلسطينية، وتُجدد الدعوة إلى إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
ويدرك المرصد تمامًا، أن أحد أهم أهداف المخططات المعادية هو تفتيت الوحدة العربية والإسلامية؛ لذا، يعمل المرصد على تعزيز ثقافة التسامح والتقريب بين المذاهب والأديان، ومواجهة أية دعوات للفتنة الطائفية أو العرقية، تأكيدًا على أن قوة الأمة تكمن في وحدتها وتماسكها. كذلك لا يمكن أن يتحقق سلام حقيقي ومستدام في المنطقة دون إنهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، وحصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه المشروعة.
فالأزهر يؤمن بأن السلام القائم على الظلم هو سلام هش لا يدوم. فالشرق الأوسط يقف اليوم على مفترق طرق حرج. فإما أن يستسلم لأجندات التفتيت والفوضى، وإما أن يستعيد زمام المبادرة عبر وعي جماعي مُتجدد، وإرادة حقيقية لتحقيق العدل والسلام.
ومرصد الأزهر لمكافحة التطرف، بصفته أحد الأذرع الفكرية للأزهر الشريف، سيظل شوكة في حلق التطرف والإرهاب، ومنارة للوعي، تُضيء الطريق أمام الأمة، وتُحذر من المخططات الخبيثة، وتُقدم رؤية ثاقبة لمستقبل يُصنع بالحق والعدل والسلام. إنها معركة وعي قبل أن تكون معركة سلاح، والأزهر ومعه مصر القوية في طليعة هذه المعركة، حارسان على قيم الأمة وهويتها.