باحث بالتاريخ الصوفي: إقصاء النساء من المشيخة سياسة عثمانية غير مكتوبة |خاص

قال الباحث في التاريخ الصوفي مصطفى زايد لـ «نيوز رووم» إن الحديث عن إقصاء النساء من مشيخة الطرق الصوفية في مصر العثمانية ليس مجرد استدعاء لوقائع متفرقة من الماضي، بل هو كشف عن منظومة اجتماعية ودينية متشابكة عملت على تقييد دور المرأة في القيادة الروحية، رغم وجود سوابق تؤكد أن المرأة لم تكن دائمًا خارج دائرة المشيخة.
أمثلة واضحة على تولي المرأة المشيخة
وأضاف زايد: التاريخ الصوفي كما وصلنا كُتب بأقلام الرجال، وهذا يفسر لماذا تراجعت أسماء نساء مشيخات عن واجهة السرد، رغم أن لدينا أمثلة واضحة على تولي المرأة المشيخة مثل ست الملوك بنت قدامة في غزة، وفاطمة بنت الشيخ مصطفى البكري في مصر. هذه النماذج تثبت أن الأمر لم يكن مستحيلًا من حيث المبدأ، لكن في العهد العثماني، اصطدمت أي محاولة نسائية لتولي المشيخة بجدران من العرف والتحالفات السياسية».
وأشار “زايد” إلى أن «قصتي السيدة زينب بنت الشيخ أحمد الخلوتي، وزينب بنت الشيخ محمد الدسوقي، تكشفان مسارًا شبه متطابق: وصية مكتوبة بالخلافة، مقاومة من كبار المريدين، دعم من المؤسسة الدينية الرسمية لرفضها، ثم حكم قضائي يحسم الأمر ضدها، وانتهاءً بطمس ذكرها من السجلات والمخطوطات».
وأوضح: «في حالة زينب الخلوتية، كان لديها إجازة خطية من والدها، لكن المريدين رفضوا تنفيذها بحجة أن المرأة لا تصلح لقيادة الذكر الجماعي. لجأت إلى القضاء واستشهدت بسابقة ست الملوك، لكن الحكم جاء لصالح العرف السائد. وفي حالة زينب الدسوقية، ورغم وصية والدها المسجلة في المحكمة، صدرت فتوى من الأزهر بعدم جواز إمامة المرأة للرجال، وتم استبعادها للأسباب ذاتها».
ويرى زايد أن ما جرى «لم يكن مجرد مواقف فردية، بل كان جزءًا من سياسة عثمانية غير مكتوبة تفضل دعم طرق يقودها رجال يسهل ضبطهم سياسيًا ودينيًا، وهو ما ساعد على استمرار إقصاء النساء حتى من التوثيق الرسمي».
هوامش المخطوطات وأوراق القضايا الشرعية
وختم زايد بقوله: «اليوم، وبعد أن بقيت آثارهن في هوامش المخطوطات وأوراق القضايا الشرعية، فإن إعادة قراءة هذه الصفحات المطموسة تكشف ليس فقط عن ظلم تاريخي، بل عن حاجة ملحّة لإعادة النظر في السردية الرسمية للتصوف، وإبراز دور المرأة فيها كما كان، لا كما أراد العرف أن يرويه».