عاجل

ذكرى فتح مكة .. علي جمعة يوضح أحداثها والدروس المستفادة منه

علي جمعة
علي جمعة

تحل في اليوم العشرين من رمضان ذكرى فتح مكة حيث وصلت جيوش المسلمين إلى مكة للفتح الأعظم، الذي كان نقطةً فارقةً في حياة الإسلام والمسلمين، وفي حياة البشرية جمعاء.

أحداث فتح مكة

وقد تحركت الجيوش من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة في العاشر من رمضان، ووصلت مكة في اليوم العشرين منه، في السنة الثامنة من الهجرة.

يقول الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: «كان سيدنا رسول الله ﷺ يشعر بالخطر الداهم من شمال المدينة وجنوبها؛ ففي الشمال بعض القبائل المشركة، وفيه خيبر التي يسكنها اليهود، وفي الجنوب مكة التي تضم عُتاة المشركين أصحاب المصالح في بقاء الوضع كما هو دون تغيير، ودون إخراج الناس من الظلمات إلى النور». 

اتفقت هذه القوى ضد رسول الله ﷺ ، لكنه كان على علم بذلك بحسن تحليله للأخبار، وبالوحي المؤيد من الرحمن سبحانه وتعالى، يرى الخريطة أمامه، ويوجِّه كل مفاوضٍ مسلم أن يرى الخريطة أمامه حتى ينجح في سعيه ومفاوضاته.

نزل رسول الله ﷺ يريد أداء العمرة، فمنعه المشركون عند الحديبية، على بُعد كيلومترات قليلة من مكة المكرمة، ويحدث بينهما الجدال. فقال عمر رضى الله عنه: يا رسول الله، لِمَ نقبل الدنية في ديننا؟! هيا بنا نغزوهم! فكان النبي ﷺ يهدئه ويسكِّنه.

قبل رسول الله ﷺ بمعاهدة ظاهرها غريب، فيه كما يقول عمر أننا نقبل الدنية في ديننا، ولكن النبي ﷺ أراد أن يفك الكماشة العسكرية، وأن يُحَيِّدَ أهل مكة؛ فلما عاد إلى المدينة، غزا خيبر وانتصر عليها، ففك الكماشة من طرفها الشمالي، وحين نقضت قريش العهد، نزل النبي ﷺ بجيشه وفَتَح مكة في السنة الثامنة من الهجرة النبوية.

الدروس المستفادة من فتح مكة

وتابع علي جمعة: «في الفتح دروسٌ عظيمة ينبغي أن يدركها المسلمون المفاوضون، حتى تنالهم بركة رسول الله ﷺ؛ فقد قعد لهم من قواعد ،وأمرهم بأوامر، وهداهم بهدايته إلى كيفية التعامل السليم مع الخلق».

كما أنه في الفتح دروس نحتاج فيها إلى مدارسة عظيمة في معنى الجوار، إذ أجار العباس رضى الله تعالى عنه، وهو مسلم متهيِّئٌ للهجرة، أهل وطنه المشركين، ووقف معهم، فأجار رسولُ الله ﷺ، من أجاره العباس. نحتاج إلى فهم معنى الوطنية والانتماء من قصة الفتح ،ومعنى الحب الذي يسكن قلوب الناس لأوطانهم حتى وإن طغت عليهم أو أخرجتهم من ديارهم وأموالهم.

وها هو سيدنا ﷺ يبحث عن بيت يبيت فيه ويقول: (وهل ترك عقيل من رباع؟!) -عقيل ابن عمه قد باع دُوره وهو غائب في هجرته ﷺ عن وطنه - أخرجوه من دياره ومن ماله ومن وطنه الذي نظر إليه وهو يهاجر فقال: (ألا إنك أحب أرض الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت) وهو يبكي ﷺ بأبي هو وأمي.

يوم الفتح يوم ينبغي أن نقرأه مرات. يقول ابن حزم في جامع سيرته: "ومنه يؤخذ أن أحدًا من المسلمين إذا أجار أهل الشرك في بلدهم، فإنه يؤخذ بجواره، ويحرم على المسلمين كافة أن يقربوها إلا إذا خرجوا من جواره". ما هذه العظمة التي تركها لنا رسول الله ﷺ في بناء الشخصية المسلمة؟! إنه يجير العالمين، عزةً ما بعدها عزة، وتكاتفًا وتآلفًا بين المسلمين ما بعده تآلف ولا تكاتف.

بماذا؟ بالسكينة التي أنزلها الله في قلوب المؤمنين؛ فلم يخافوا أحدا من العالمين، ولم يسارعوا إلى هواه، بل تعالوا في أنفسهم عن كل ما يحدث حولهم وأطاعوا الله ورسوله. لم يختل في أيديهم الميزان فيتحولوا إلى قتله للمسلمين والآمنين، ولم يختل في أيديهم الميزان فيُلقوا بأيديهم إلى التهلكة في معارك ليست متكافئة،ولم يختل في أيديهم الميزان فيجلسوا في بيوتهم لا يجاهدون في سبيل الله.

وشدد على أن دروس فتح مكة كثيرة، أردت أن ألفت أنظاركم إلى هذه المعاني من الانتماء والوطنية والجوار وشخصية المسلم ونزول السكينة في القلوب، فاللهم أنزل السكينة في قلوبنا يا أرحم الراحمين ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأقمنا في الحق، وأقم الحق بنا.

تم نسخ الرابط