الهجرة غير الشرعية.. أحلام تنتهي خلف القضبان والخبراء يحذرون

لا تزال الهجرة غير الشرعية تمثل واحدة من أبرز التحديات التي تواجه الدولة المصرية، وسط تصاعد المحاولات التي تحبطها الأجهزة الأمنية بشكل شبه يومي، خاصة في المناطق الساحلية والصحراوية، حيث تنشط شبكات تهريب البشر التي تستغل حاجة الشباب إلى فرص أفضل في الخارج.
وفي أحدث الضربات الأمنية، تمكنت أجهزة وزارة الداخلية خلال الأيام الماضية من ضبط عدة شبكات متورطة في تنظيم رحلات هجرة غير شرعية إلى دول أوروبية عبر البحر المتوسط. وشهدت محافظتا البحيرة ومطروح ضبط مجموعات إجرامية تخصصت في تسفير الشباب بشكل غير قانوني، مقابل مبالغ مالية كبيرة تتراوح بين 50 إلى 100 ألف جنيه للفرد الواحد.
تفاصيل أحدث القضايا
وتابعت السلطات الليبية والمصرية تطورات حادث مأساوي وقع صباح الأربعاء الأربعاء 30/يوليو قبالة سواحل مدينة طبرق الليبية، بعد غرق قارب كان يقل عددًا من المهاجرين غير النظاميين، معظمهم من المواطنين المصريين، حيث أسفرت الواقعة عن إنقاذ عدد من الناجين وانتشال جثامين اثنين من الضحايا حتى الآن، في حين لا تزال عمليات البحث والتمشيط مستمرة في المنطقة.
رعاية فورية للناجين في المركز الطبي بطبرق
ووفق بيان صادر عن فرع الإدارة العامة لأمن السواحل بطبرق، فقد جرى تقديم العناية الصحية والإسعافات الأولية لعدد من الناجين في المركز الطبي بالمدينة، وجاءت أسماء الناجين كالتالي:
محمد إبراهيم صلاح جابر، 18 عامًا – محافظة القليوبية
ناصر حداد حسين حسن، 22 عامًا – من صعيد مصر
صلاح أبرالهور محمد محمد، 31 عامًا – محافظة الشرقية
محمد عبدالحميد عبدالكريم أحمد، 26 عامًا – محافظة أسيوط
بسام صاحي سيد فارس، 27 عامًا – محافظة أسيوط
عبدالرحمن علي رضوان، 18 عامًا – محافظة المنيا
أحمد عطية إسماعيل محمد، 25 عامًا – محافظة الشرقية
أمير أحمد الصديق – محافظة أسيوط
كونك قيا – جنوب السودان
ديال – جنوب السودان
وفي المقابل، تم حتى الآن التعرف على جثماني اثنين من الضحايا:
محمد إسماعيل عبد الحليم حسين – مركز البداري، أسيوط
محمد أحمد حسين أحمد حسن – مركز البداري، أسيوط
في محافظة مطروح، كشفت التحريات الأمنية عن تورط أحد الأشخاص في تجميع راغبي السفر داخل مخزن مهجور، تمهيدا لنقلهم إلى أحد السواحل، ومنها إلى عرض البحر باستخدام قوارب صغيرة. وبمداهمة المكان، تم العثور على 23 شخصًا من جنسيات مختلفة، بينهم أطفال وسيدات، وأكدت التحقيقات الأولية أنهم كانوا ضحايا عملية تهريب فاشلة كادت تودي بحياتهم.
وفي البحيرة، تمكنت الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة من ضبط تشكيل عصابي مكون من 5 أشخاص، تخصصوا في استخراج تأشيرات مزورة وتوفير مستندات سفر وهمية، وإقناع الضحايا بإمكانية الوصول إلى أوروبا خلال أيام قليلة، دون إدراك للمخاطر التي قد يتعرضون لها في عرض البحر.
تحرك دبلوماسي مصري عاجل
من جانبها، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانًا أكدت فيه متابعتها الحثيثة للحادث بالتنسيق الكامل مع السلطات الليبية، حيث أوفدت القنصلية العامة المصرية في بنغازي وفدًا إلى مدينة طبرق فور ورود المعلومات الأولية، وذلك لمتابعة أوضاع الناجين، والتنسيق بشأن إجراءات نقل الجثامين إلى مصر.
وأوضحت الخارجية أن القنصلية تعمل حاليًا على إنهاء ترتيبات نقل الجثامين التي تم التعرف عليها بالفعل، إلى جانب متابعة التعرف على باقي الضحايا، تمهيدًا لتسليمهم إلى ذويهم، كما تعمل على ترحيل الناجين بعد انتهاء التحقيقات الجارية من قبل الجانب الليبي.
بيان الخارجية: لن نألُ جهدًا في المتابعة والدعم
وأكدت الخارجية المصرية التزامها الكامل بالمتابعة المستمرة للحادثة الأليمة، وتقديم الدعم اللازم للناجين ولأسر الضحايا، في إطار مسؤوليتها تجاه مواطنيها بالخارج، مشددة على ضرورة الالتزام بالإجراءات القانونية خلال التنقلات والهجرة تجنبًا لمثل هذه المآسي.
مشكلات نفسية تسببها ظاهرة الهجرة غير الشرعية
ويقول الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي، أنه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدلات البطالة، تزداد رغبة بعض الشباب المصري في خوض تجربة الهجرة، ولو بطرق غير شرعية، طمعًا في تحسين أوضاعهم المعيشية.
وأكد فرويز في تصريح خاص لـ نيوز رووم، أن مدينة ميلانو الإيطالية على وجه الخصوص تشهد عدد لا بأس به من المصريين، بعضهم بدأ رحلته عبر الهجرة غير الشرعية وتمكن لاحقًا من تقنين أوضاعه، بينما لا يزال آخرون يعيشون في ظروف غير مستقرة.
وأشار، إلى أن كثيرًا من الشباب وبتابع الفطرة الإنسانية يغيرون بما يشاهدونه من مظاهر النجاح، كعودة أحد المهاجرين لبناء فيلا أو افتتاح مشروع، دون النظر إلى حجم المخاطر التى تعرض لها، أو المصير المجهول الذي قد يواجهه البعض الآخر، مثل الغرق أو الوقوع في قبضة جماعات مسلحة أو عصابات الاتجار بالبشر، خاصة على طريق ليبيا.
وأوضح استشاري الطب النفسي، أن هناك من يتم احتجازهم كرهائن للضغط على ذويهم في مصر، والبعض الآخر يتعرض للابتزاز أو القتل، مشيرًا إلى أن الهجرة غير الشرعية ليست فقط رحلة بحر، بل أحيانًا تتحول إلى مأساة إنسانية معقدة.
وأضاف، أن من يسافر بهذه الطريقة حتى لو وصل إلى أوروبا، قد يواجه رفضًا مجتمعيًا من بعض الجماعات المتطرفة، ويتعرض لانتهاكات أو يعيش في ظروف عمل غير آدمية، لافتًا أن من بين الشباب من يعود بعد سنوات مثقلًا بمشكلات نفسية أو صحية، ويحتاج إلى إعادة تأهيل للاندماج مجددًا في سوق العمل داخل مصر.
خبراء يحذرون
من جانبه، قال اللواء حسين عبد الرازق، الخبير الأمني، إن الهجرة غير الشرعية لم تعد مجرد محاولة فردية للفرار من واقع اقتصادي صعب، بل أصبحت تجارة مربحة لمافيا الاتجار بالبشر، التي تُغري الشباب بوهم "الفردوس الأوروبي"، بينما تقودهم نحو الموت في قوارب متهالكة أو السجون في دول العبور.
وأضاف في تصريحات خاصة أن الضربات الأمنية الأخيرة كشفت عن تورط عناصر إجرامية على قدر عالٍ من التنظيم والتمويل، مشيرًا إلى ضرورة تشديد العقوبات على من يروج أو يسهل لتلك الرحلات، باعتبارهم مشاركين في جرائم قد تنتهي بكوارث إنسانية.
وأكد أن هناك تحركات إيجابية من الدولة لمواجهة هذه الظاهرة، خاصة بعد إطلاق المبادرة الرئاسية "مراكب النجاة"، التي تهدف لتوعية الشباب بمخاطر الهجرة غير الشرعية، وتوفير فرص بديلة من خلال التدريب المهني والمشروعات الصغيرة.
المخاطر متعددة
وتؤكد منظمات حقوقية أن المهاجرين غير الشرعيين غالبا ما يقعون ضحايا لانتهاكات جسيمة، تشمل الاستغلال الجنسي، والعمل القسري، والاعتقال لفترات طويلة في دول المرور، فضلًا عن خطر الموت غرقًا نتيجة استخدام وسائل نقل غير مؤهلة لعبور البحار.
مخاطر الهجرة غير الشرعية.. الإفتاء تحذر من مخالفة الشرع والقانون
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول: ما خطورة الهجرة غير الشرعية؟ يقوم بعض الشباب باتباع أسلوب الهجرة غير الشرعية؛ من أجل الوصول إلى بعض البلاد والإقامة فيها من دون موافقة قوانين هذه البلاد، فنرجو منكم بيان حكم ذلك شرعًا؟
وأجابت دار الإفتاء قائلة: الهجرة غير الشرعية على الوجه الذي يحصل الآن لا يجوز فعله أو الإقدام عليه شرعًا؛ لما تتضمَّنه من جملة من المخالفات والمفاسد، والتي منها مخالفة ولي الأمر الذي يحرم مخالفته شرعًا، وتعريض النفس للهلاك، وخرق المعاهدات والعقود الدولية التي تنظم الدخول والخروج من بلد إلى آخر، وما تشتمل عليه بعض صورها من تزوير وغش وتدليس على سلطات الدولتين المُهَاجَر منها والمُهَاجَر إليها، وهو من باب الكذب.
وتابعت: الهجرة غير الشرعية –ويطلق عليها: (الهجرة السرية)، أو (الهجرة غير القانونية)- هي: دخول شخصٍ ما حدود دولة ما دون وثائق قانونية تفيد موافقة هذه الدولة على ذلك، ويتم ذلك عن طريق التسلل خفية عبر الطرق البرية أو البحرية أو باستخدام وثائق مزورة، ومن صور الهجرة غير الشرعية كذلك الدخول بوثائق مؤقتة بمدة، ثم المكث بعد هذه المدة دون موافقة قانونية مماثلة.
والهجرة غير الشرعية على الوجه الذي يحدث في هذه الأيام تتضمَّن وتستلزم جملة من المخالفات والمفاسد؛ منها ما يلي:
مخاطر الهجرة غير الشرعية
أوَّلًا: ما في ذلك من مخالفة ولي الأمر، وهذه المخالفة غير جائزة؛ ما دام أنَّ ولي الأمر أو الحاكم لم يأمر بمُحَرَّم؛ فقد أوجب الله تعالى طاعة أولي الأمر فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]. والأدلة على هذا كثيرة.
فمَن أراد أن يهاجر من بلد إلى آخر، فعليه الالتزام بالقوانين التي أمر الحاكم أو مَن يُفوِّضه بالالتزام بها؛ وقد نَصَّ القانون المصري رقم (97) لسنة 1959م -والمعدَّل بعدة قوانين وقرارات آخرها القرار الوزاري رقم (19) لسنة 2022م-، في شأن جوازات السفر على أنَّه: لا يجوز لمصري مغادرة البلاد أو العودة إليها إلا إذا كان حاملًا لجواز سفر، ومن الأماكن المخصصة لذلك، وبتأشيرة على جواز سفره، ورَتَّب القانون عقوبةً على مخالفي هذا الحكم.
ثانيًا: ما يكون في بعض صورها من تعريض النفس للهلاك من غير مُسَوِّغ شرعي، وقد جاءت نصوص الشريعة بالنهي عن تعريض النفس للهلاك؛ ومنها قوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195].
ثالثًا: ما يترتب على هذا النوع من الهجرة من إذلال المسلم نفسه؛ فإنَّ الدخول إلى البلاد المهاجَر إليها من غير الطرق الرسمية المعتبَرة يجعل المهاجِرَ تحت طائلة التَّتَبُّع المستمر له من قِبَل سلطات تلك البلد، فيكون مُعرَّضًا للاعتقال والعقاب، فضلًا عما يضطر إليه كثير من المهاجرين غير الشرعيين من ارتكاب ما يُسِيء إليهم وإلى بلادهم، بل وأحيانًا دينهم، ويعطي صورة سلبية عنهم؛ كالتسول وافتراش الطرقات، وقد نهى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم المُسلمَ أن يُذِلَّ نفسه؛ فقد روى الترمذي -وحسَّنه- عن حذيفة بن اليَمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يَنبَغي للمؤمِن أَن يُذِلَّ نَفسَه» قالوا: وكيف يُذِلُّ نَفسَه؟ قال: «يَتَعَرَّض مِن البلاء لما لا يُطِيق».
رابعًا: ما في هذه الهجرة من خرق للمعاهدات والعقود الدولية التي تنظم الدخول والخروج من بلد إلى آخر، وقد روى الترمذي في "سننه" -وقال: "حسن صحيح"- عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا».
خامسًا: ما يكون في بعض صورها من تزوير وغش وتدليس على سلطات الدولتين المُهَاجَر منها والمُهَاجَر إليها، وهو من باب الكذب، والكذب هو: الإخبار عن الشيء خلاف ما هو عليه، والأصل فيه التحريم؛ وقد قال الله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: 30].
وهذه المخالفات والمفاسد قد تجتمع كلها في صورة واحدة من صور الهجرة غير الشرعية، وقد يتخلف بعضها في بعض الصور، لكن لا تخلو صورة من صورها عن مفسدة منها، وتَحقُّق مفسدة منها في صورةٍ كافٍ للقول بالمنع والتحريم.
جهود مستمرة
ووفقا لبيانات وزارة الداخلية، فقد تم ضبط أكثر من 300 محاولة هجرة غير شرعية منذ بداية العام الجاري، وإنقاذ المئات من الغرق أو الوقوع في قبضة شبكات إجرامية.
وبينما تستمر الأجهزة الأمنية في أداء دورها، تبقى التوعية المجتمعية ودعم الشباب اقتصاديا وتعليميا هي أدوات الحماية الأولى، لوقف نزيف الأرواح على سواحل الهروب، وتحويل حلم السفر إلى مستقبل آمن داخل حدود الوطن.