عاجل

حين يتحول الحلم إلى كابوس| الهجرة غير الشرعية رحلات على تأشيرة الموت

الهجرة غير الشرعية
الهجرة غير الشرعية

في مياه البحر المتوسط التي لا فرق بين عرق ودين، ابتلع الموج أجساد 15 مصريًا، لفظتهم الأرض بعد أن خانهم البحر، لم يحملوا جوازات سفر، بل حملوا على كاهلهم أعباء الحياة القاسية، فظنوا أن بإمكانهم إلقاءها في عرض البحر، وكتابة أحلام جديدة على الضفة الأخرى.

هذه الحادثة والتي من الممكن أن لا تكون الأخيرة، تُعيد إلى الأذهان سلسلة من الكوارث المؤلمة التي شهدتها شواطئ البحر الأبيض المتوسط، حيث تتكرر مآسي المهاجرين في رحلات محفوفة بالمخاطر بحثًا عن الأمل ولقمة العيش.
 

حيث شهدت السواحل الليبية في الفترة الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في نشاط الهجرة غير الشرعية، حيث أصبحت ليبيا نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين من مختلف الجنسيات، الساعين للوصول إلى السواحل الأوروبية، هؤلاء المهاجرون يخوضون مغامرة بحرية محفوفة بالمخاطر، يواجهون فيها احتمال الغرق، والاستغلال، والاتجار بالبشر، وسط غياب تام لأي حماية قانونية تضمن سلامتهم.

تاريخ مؤلم مع الهجرة الغير شرعية

لطالما كانت حوادث الهجرة غير الشرعية سببًا في فقدان أرواح عدد كبير من الشباب المصريين، ففي أغسطس 2021، فشهدت قرية تلبانة بمحافظة الدقهلية مأساة أخرى، حيث فُقد العشرات من أبنائها أثناء محاولتهم عبور البحر إلى إيطاليا بوساطة شبكة تهريب غير شرعية.
 

أما في مارس 2022، شيّع أهالي محافظة المنوفية جثامين 5 شباب قضوا غرقًا إثر انقلاب مركبهم قبالة السواحل الليبية، أثناء محاولتهم الهجرة إلى إيطاليا.
 

وكان آخرها في أغسطس 2022 حين استيقظت مدينة أبنوب في محافظة أسيوط على فاجعة وفاة 6 أشخاص، بينهم 5 أطفال، نتيجة الجوع والعطش خلال رحلة غير شرعية إلى إيطاليا، ما أحدث صدمة واسعة في القرية.

ورغم تكرار هذه المآسي، تحولت إلى جزء من المشهد اليومي، خصوصًا مع تزايد أعداد المصريين الراغبين في الهجرة رغم المخاطر المحيطة بها.

مشكلات نفسية تسببها ظاهرة الهجرة غير الشرعية 

الدكتور جمال فرويز 
الدكتور جمال فرويز 

ويقول الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي، أنه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدلات البطالة، تزداد رغبة بعض الشباب المصري في خوض تجربة الهجرة، ولو بطرق غير شرعية، طمعًا في تحسين أوضاعهم المعيشية.

وأكد فرويز في تصريح خاص لـ نيوز رووم، أن مدينة ميلانو الإيطالية على وجه الخصوص تشهد عدد لا بأس به من المصريين، بعضهم بدأ رحلته عبر الهجرة غير الشرعية وتمكن لاحقًا من تقنين أوضاعه، بينما لا يزال آخرون يعيشون في ظروف غير مستقرة.

وأشار، إلى أن كثيرًا من الشباب وبتابع الفطرة الإنسانية يغيرون بما يشاهدونه من مظاهر النجاح، كعودة أحد المهاجرين لبناء فيلا أو افتتاح مشروع، دون النظر إلى حجم المخاطر التى تعرض لها، أو المصير المجهول الذي قد يواجهه البعض الآخر، مثل الغرق أو الوقوع في قبضة جماعات مسلحة أو عصابات الاتجار بالبشر، خاصة على طريق ليبيا.

وأوضح استشاري الطب النفسي، أن هناك من يتم احتجازهم كرهائن للضغط على ذويهم في مصر، والبعض الآخر يتعرض للابتزاز أو القتل، مشيرًا إلى أن الهجرة غير الشرعية ليست فقط رحلة بحر، بل أحيانًا تتحول إلى مأساة إنسانية معقدة.

وأضاف، أن من يسافر بهذه الطريقة حتى لو وصل إلى أوروبا، قد يواجه رفضًا مجتمعيًا من بعض الجماعات المتطرفة، ويتعرض لانتهاكات أو يعيش في ظروف عمل غير آدمية، لافتًا أن من بين الشباب من يعود بعد سنوات مثقلًا بمشكلات نفسية أو صحية، ويحتاج إلى إعادة تأهيل للاندماج مجددًا في سوق العمل داخل مصر.

دور الإعلام في مواجهة الهجرة غير الشرعية 

الدكتورة إلهام يونس 
الدكتورة إلهام يونس 

وفي سياق آخر، أكدت الدكتورة إلهام يونس، أستاذ الإعلام، أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية ليست قاصرة على مصر فقط، بل بدأت تنتشر في العديد من الدول، لا سيما تلك التي تعاني من أزمات اقتصادية، أو من ارتفاع في معدلات البطالة وعدم الاستقرار في سوق العمل.

وتابعت "يونس" في تصريح خاص ل"نيوز روم": "غالبًا ما يقع هؤلاء الشباب ضحية لاستغلال سماسرة أو تجار الهجرة، الذين يدفعونهم إلى السفر بطرق غير شرعية، ما يؤدي إلى كوارث إنسانية، مثل غرق القوارب التي تحمل أعدادًا تفوق طاقتها، دون الالتزام بمعايير السلامة البحرية.

تعليقًا علي دور الإعلام في مواجهة الظاهرة أوضحت الدكتور إلهام يونس، أن الإعلام قام بدور مهم في تسليط الضوء على هذه الظاهرة، سواء من خلال التغطيات الإخبارية أو الأعمال الدرامية، لكن في الحقيقة معظم المعالجات الإعلامية اكتفت برفض الظاهرة وبيان خطورتها دون تقديم حلول عملية.

وأضافت، أن مواجهة الظاهرة يتطلب منظومة مجتمعية متكاملة ونهجًا شاملًا يعالج الأسباب يوضح المخاطر ويطرح بدائل واقعية ظل التغيرات التي يشهدها العالم، خاصة في مجال التحول الرقمي، أصبحت فرص العمل مرتبطة بالكفاءات والمهارات.

وتري استاذ الإعلام، أن البديل الحقيقي لمواجهة هذه الظاهرة هو الاستثمار في تنمية المهارات، وتوفير برامج تدريبية متطورة تؤهل الشباب للتكيف مع متطلبات سوق العمل الحديث، كما يجب أن تستمر الدولة في جهودها للحد من هذه الظاهرة، من خلال تشديد الرقابة على السواحل والموانئ، بهدف حماية شبابنا، والحفاظ على أمنهم، وتوفير بيئة آمنة تساعدهم على بناء مستقبلهم داخل بلدهم.

تم نسخ الرابط