اختبارات كشف الكذب تهز البنتاجون: البيت الأبيض يتدخل ويوقف حملة هيجسيث

وجه البيت الأبيض أمراً بوقف استخدام اختبارات كشف الكذب التي بدأ وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيجسيث، باستخدامها لتعقّب مسربي المعلومات إلى وسائل الإعلام. وجاء القرار المفاجئ بعد تصاعد مخاوف من استهداف مستشارين بارزين، وعلى رأسهم باتريك ويفر، أحد كبار مستشاري هيجسيث.
مستشار هيجسيث يُدق ناقوس الخطر
بحسب ما نقلته صحيفة واشنطن بوست عن مصادر مطلعة، فإن ويفر، المعروف بولائه للرئيس دونالد ترامب وتشدده في قضايا الهجرة، قدم في أبريل الماضي شكوى رسمية إلى مسؤولين في البيت الأبيض، معرباً عن قلقه من احتمال إجباره على الخضوع لاختبار كشف الكذب ضمن حملة هيجسيث الداخلية لملاحقة التسريبات.
وأشار المسؤولون إلى أن ويفر، الذي عمل سابقاً في مجلس الأمن القومي ووزارة الأمن الداخلي، يُعد شخصية مقربة من نائب رئيس موظفي البيت الأبيض ستيفن ميلر، ما منح تحذيراته ثقلاً سياسياً داخلياً.
تدخل خفي من البيت الأبيض
تدخل البيت الأبيض، الذي لم يُعلن عنه سابقاً، جاء عبر مكالمة هاتفية أجراها شخص مقرب من الإدارة، لوقف سلسلة من اختبارات كشف الكذب التي كانت بدأت بالفعل في أبريل. وكان فريق هيجسيث قد أجرى عدة اختبارات بموافقة الوزير وبمشورة محاميه الشخصي، تيم بارلاتور.
ضغوط على القيادات العسكرية
وقد أظهرت التقارير أن العقيد ريكي بوريا، الذي خضع بدوره لاختبار كشف الكذب، جاءت نتائجه "غير حاسمة"، بحسب ذا جارديان. وكان بوريا قد قدّم في أبريل أوراق تقاعده من مشاة البحرية تمهيداً لتعيينه في منصب سياسي داخل الوزارة.
الأخطر أن هيجسيث هدد بإخضاع كبار الضباط لاختبارات مماثلة، ومن بينهم الأميرال كريستوفر جرادي، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة، والفريق دوجلاس سيمز. وبحسب وول ستريت جورنال، فإن التهديدات تصاعدت إلى قرار لاحق من هيجسيث بعدم ترقية سيمز، رغم خطة مسبقة لذلك ودعم من الجنرال دان كين وعدد من كبار مسؤولي البنتاغون.
في رد غير مباشر، رفض البنتاجون التعليق على التقارير المتعلقة باستخدام اختبارات كشف الكذب، واكتفى المتحدث شون بارنيل ببيان مكتوب قال فيه: "الوزارة لن تعلق على تحقيق جارٍ". وانتقد بشدة ما سماه "هوس وسائل الإعلام الكاذبة" بقضية مضى عليها أشهر، معتبراً أن الصحافة في واشنطن وصلت إلى "حالة مؤسفة وبائسة".
وأكد بارنيل أن هيجسيث يقدّر سنوات خدمة سيمز، متمنياً له "التوفيق في مسيرته المقبلة"، رغم ما وصفه ضباط كبار بأنه "معاملة غير لائقة لقائد تصرف بمهنية واستقلالية".
فضيحة سيجنال جيت تُشعل الأزمة
في خضم هذا الاضطراب، تفجرت فضيحة جديدة عُرفت بـ"سيجنال جيت" (Signalgate)، بعد أن تبين أن هيجسيث ناقش في مجموعة دردشة غير مشفرة حملة قصف محتملة ضد الحوثيين في اليمن، بمشاركة غير مقصودة لرئيس تحرير من مجلة "أتلانتيك".
وبينما أكدت الإدارة أن المعلومات المتداولة لم تكن "سرية رسمياً"، فإن شهوداً أبلغوا المفتش العام للبنتاغون أن التفاصيل كانت مستخرجة من بريد إلكتروني موسوم بـ"سري/لا يُشارك مع أجانب (SECRET/NOFORN)"، ما يثير مخاوف حول خرق للأمن القومي.
تحقيقات ومذكرات.. واللجوء إلى جهاز كشف الكذب
تعود جذور الأزمة إلى مارس الماضي، حين أطلق جو كاسبر، رئيس موظفي هيجسيث آنذاك، تحقيقاً داخلياً في تسريبات إعلامية، أوصى خلاله باستخدام اختبارات كشف الكذب كأداة مركزية. وأوضح في مذكرة بتاريخ 21 مارس أن التحقيق "سيتضمن سجلاً كاملاً للتسريبات وتوصيات لمعالجتها".
وبالفعل، طالت الاختبارات عدداً من مستشاري هيجسيث، بينهم مستشارون عسكريون وأعضاء في "فريق الاستشارات المشتركة بين الوكالات"، الذي يضم عناصر من القوات الخاصة وممثلين عن وكالات مثل FBI، وكان مكلفاً بدراسة طرق مكافحة المخدرات وتعزيز الأمن الحدودي.
صراعات شخصية تهدد استقرار القيادة
كما امتدت تداعيات الفوضى إلى داخل فريق هيجسيث نفسه، حيث أقال الوزير في أبريل ثلاثة من كبار المساعدين دان كالدويل، كولين كارول، ودارين سيلنيك متَّهماً إياهم بالتسريب، وهو ما نفوه تماماً، متهمين الوزير بمحاولة تشويههم دون أي أدلة.
كما استقال كاسبر، كبير موظفي هيجسيث، في ظل الصراعات المتصاعدة، وانتقل للعمل في القطاع الخاص، فيما أعاد هيجسيث تشكيل فريقه من خلال تعيين بوريا، بارنيل، وويفر، إلى جانب جاستن فولشر، الذي لم تدم فترة عمله طويلاً.
وقد أخبر فولشر، الذي أثار الجدل بعد مغادرة غاضبة لاجتماع رسمي، زملاءه أنه يعرف "وسائل مراقبة لتعقب مسربي المعلومات"، لكنه فشل في تقديم أي دليل يُثبت مزاعمه، ما دفع مسؤولين في البيت الأبيض إلى التشكيك في مصداقيته. وقد غادر فولشر منصبه لاحقاً، في ما وُصف بـ"قرار مشترك"، رغم أن مصادر أخرى أشارت إلى أنه أُجبر على الرحيل بعد فقدان ثقة القيادة فيه.
وتُسلط هذه الأحداث المتشابكة الضوء على أزمة أعمق داخل وزارة الدفاع الأميركية، حيث تتداخل اعتبارات الولاء السياسي، والتسريبات الإعلامية، والصراعات الشخصية، مع أدوات حساسة مثل اختبارات كشف الكذب، في بيئة يُفترض أنها تقوم على المهنية والانضباط.