مصر تراهن على التعدين لقيادة النمو التكنولوجي والاقتصادي

الرمال التي تصنع المستقبل".. مصر تراهن على التعدين لقيادة النمو التكنولوجي والاقتصادي
كتبت: ليلى العبد
في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة، تتجه مصر بخُطى متسارعة لتحويل قطاع التعدين من نشاط تقليدي إلى ركيزة استراتيجية للنمو الاقتصادي والتكنولوجي، مستفيدة من مخزون جيولوجي ضخم وإصلاحات تشريعية وتنفيذية هي الأوسع منذ عقود.
ويقول خبراء الاقتصاد إن الحكومة تعمل على رفع مساهمة القطاع من نحو 1% حاليًا إلى 6% من الناتج المحلي خلال السنوات القليلة المقبلة، من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز التصنيع المحلي، واستغلال الخامات عالية القيمة مثل الذهب والرمال البيضاء والسوداء.
ويؤكد الدكتور رمزي الجرم، الخبير الاقتصادي، أن صانع القرار الاقتصادي يتعامل مع التعدين كقطاع واعد قادر على توفير النقد الأجنبي وتعويض التراجع في موارد تقليدية مثل قناة السويس، خاصة في ظل الطفرة المتوقعة في الطلب العالمي على الخامات النادرة والمواد الأولية للتكنولوجيا المتقدمة.
الرمال البيضاء.. رصيد مصر التكنولوجي القادم
يشير الجرم إلى أن مصر تمتلك أحد أنقى أنواع الرمال البيضاء عالميًا، بنسبة نقاء تصل إلى 99%، ما يجعلها مرشحة بقوة لتصبح مركزًا إقليميًا لصناعة الرقائق الإلكترونية والخلايا الشمسية، لافتًا إلى أن هذا المستوى من الجودة يفوق حتى ما هو متوفر في "وادي السيليكون" بالولايات المتحدة.
وأضاف أن الدولة بدأت بالفعل خطوات استراتيجية لتعظيم الاستفادة من هذه الثروة، من خلال وقف تصدير الرمال الخام منذ عام 2016، وافتتاح مصنع إنتاج ألواح الطاقة الشمسية بشركة بنها، إلى جانب إنشاء "الغرفة النظيفة" لتصنيع أشباه الموصلات بالتعاون مع تحالف مصري دولي.
إصلاحات تشريعية واستثمارات متزايدة
التوجه نحو تعظيم القيمة المضافة رافقته إصلاحات هيكلية في منظومة التعدين. فقد تم تعديل قانون الاستثمار (رقم 160 لسنة 2023)، متضمنًا حوافز استثنائية مثل الاسترداد الضريبي بنسبة تصل إلى 55% للمشروعات الممولة بالعملة الأجنبية، وتفعيل "الرخصة الذهبية" لتسريع إصدار التصاريح خلال 20 يومًا فقط، بالتوازي مع تحويل هيئة الثروة المعدنية إلى كيان اقتصادي مستقل.
هذه الخطوات بدأت تؤتي ثمارها، حيث حقق القطاع نموًا سنويًا بلغ 39% في إنتاج الخامات، ليصل إلى 26 مليون طن في العام المالي 2024-2025، كما ارتفعت إيرادات هيئة الثروة المعدنية إلى 446 مليون دولار، وزادت صادرات الذهب من منجم السكري إلى 1.54 مليار دولار، مع وصول الإنتاج إلى أعلى مستوى منذ عقد.
القطاع يجذب كبار اللاعبين الدوليين
شهد منتدى التعدين المصري 2025 توقيع اتفاقيات مع شركات عالمية كبرى مثل "Barrick Gold" الكندية و"AngloGold Ashanti" الجنوب أفريقية، حيث وصفت الشركتان البيئة التنظيمية الجديدة بأنها "أكثر شفافية وتنافسية"، وأعلنتا عن خطط لضخ استثمارات بمئات الملايين من الدولارات في الصحراء الشرقية.
كما صنّف البنك الدولي قطاع التعدين المصري ضمن "القطاعات ذات الأولوية"، فيما تدرس مؤسسة التمويل الدولية (IFC) تمويل مشروعات تعدين جديدة في مصر بحلول 2026، بشرط استمرار الإصلاحات المؤسسية.
تصريحات خبير: مصر أمام فرصة تاريخية
قال محمود جمال، الخبير الاقتصادي، إن قطاع التعدين في مصر يشهد تحولًا نوعيًا بفضل الإصلاحات التشريعية والتنظيمية، ما يضعه على مسار واعد كأحد ركائز الاقتصاد الوطني.
وأوضح أن قانون الاستثمار المعدل وتفعيل الرخصة الذهبية، إلى جانب التوجه لتحويل هيئة الثروة المعدنية إلى هيئة اقتصادية مستقلة، ساهموا في خلق بيئة أكثر تنافسية وجاذبية للمستثمرين، خصوصًا المؤسسات العالمية التي تبحث عن وجهات واضحة الرؤية وشفافة الإجراءات.
وأضاف جمال أن الارتفاع الملحوظ في معدلات الإنتاج وصادرات الذهب، واهتمام شركات تعدين كبرى بالدخول إلى السوق المصري، تعكس ثقة متزايدة في قدرة القطاع على النمو المستدام، مشيرًا إلى أن دمج معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية واستخدام الطاقة المتجددة يعززان جاذبية القطاع أمام مؤسسات التمويل الدولية.
واختتم تصريحه بالتأكيد على أن السنوات المقبلة ستكون حاسمة لإعادة تموضع مصر كمركز إقليمي لصناعات التعدين، بشرط الحفاظ على الانضباط المؤسسي، واستمرار تطوير البنية التحتية، وتوسيع برامج تدريب الكوادر الفنية وسلاسل القيمة المحلية.