يوسف معاطي يعود للأضواء: أول ظهور منذ التسعينات يكشف أسرار المسيرة في الغربة

في عودة طال انتظارها، أطلّ الكاتب والسيناريست يوسف معاطي على جمهور الشاشة بعد غياب دام أكثر من عقدين، من خلال برنامج "واحد من الناس" الذي يقدمه الإعلامي الدكتور عمرو الليثي على قناة "الحياة"، اللقاء كان فرصة نادرة لكشف محطات بارزة من مشواره، وتأملاته حول الدراما والكوميديا، وفلسفته تجاه الكتابة والحياة.
صداقة عمر مع الإعلامي عمرو الليثي
استهل يوسف معاطي اللقاء بالتعبير عن عمق علاقته بالإعلامي عمرو الليثي، واصفًا إياها بأنها "صداقة عمر" تمتد لسنوات طويلة. وأكد أنه لا يبدأ أي عمل جديد دون استشارة الليثي، مشيرًا إلى أن علاقته بأسرة الليثي تعود إلى معرفته بالكاتب الراحل ممدوح الليثي والمنتج جمال الليثي، اللذين شكّلا دعمًا كبيرًا له في بداياته.
وفي معرض حديثه عن الفن، شدد يوسف معاطي على أهمية أن تكون الدراما مرآة تعكس الواقع المصري بجميع مكوناته، مشيرًا إلى أن هناك ملايين من الأشقاء العرب والأفارقة يعيشون في مصر، لكن حضورهم شبه معدوم في الأعمال الدرامية، داعيًا إلى شمولية في التمثيل الثقافي والاجتماعي داخل الفن المصري.
الغياب كان بوابة للكتابة والتأمل
وعن فترة ابتعاده عن الإعلام، أوضح يوسف معاطي أنها لم تكن انقطاعًا عن الإبداع، بل تجربة غنية قضاها بين فرنسا وإنجلترا وإيطاليا. "لم أغادر مصر بقلبي يومًا"، قال معاطي، مضيفًا أن هذه المرحلة كانت خصبة في التأمل والإبداع، حيث كان يجلس في المقاهي يراقب الحياة، ويكتب مستلهمًا من المشاهد اليومية في أوروبا.
وكشف يوسف معاطي أنه يجهّز حاليًا لمجموعة من الأعمال الدرامية الجديدة تحمل طابعًا إنسانيًا أكثر عمقًا، متأثرة بتجاربه في الغربة وتأملاته الطويلة. وأكد أن هذه الأعمال ستحمل صوت الإنسان البسيط دون تجميل أو ابتذال، مؤكدًا أن "الصدق في الفن هو الطريق الوحيد للاستمرارية".
الكوميديا من رحم الألم
عن فلسفته في الكوميديا، أوضح يوسف معاطي أن الضحك الحقيقي ينبع من الوجع، وأن الكوميديا الراقية لا تخلو من ألم داخلي. "الكوميديا مش نكتة.. دي طريقة لفهم التناقضات المجتمعية"، قال معاطي، مشيرًا إلى أن السخرية وسيلة ذكية لمعالجة القضايا الاجتماعية بعمق وإنسانية.
أعرب يوسف معاطي عن تأثره العميق بالأدب الفرنسي، خاصة بأعمال الكاتب المسرحي الشهير موليير، الذي وصفه بـ"أعظم كاتب كوميدي في التاريخ". وأضاف: "موليير كان بيعرف يضحكك ويخليك تعيط في نفس اللحظة"، وهي نفس المدرسة التي تأثر بها معاطي في كتاباته.
خفة دم المصريين.. سر البقاء
شدّد يوسف معاطي على أن حسّ الفكاهة هو سلاح المصريين للبقاء في وجه الأزمات. وأشار إلى أن خفة دم المصريين ليست مجرد طابع شعبي، بل أسلوب حياة متجذر في الشخصية المصرية. "ضحك المصري وقت الشدة هو اللي حافظ على هويته عبر العصور"، حسب تعبيره.
تطرّق الحوار إلى أشهر أعمال يوسف معاطي ، خاصة شراكته مع الزعيم عادل إمام في أفلام ومسلسلات ناجحة مثل "السفارة في العمارة"، "مرجان أحمد مرجان"، "صاحب السعادة"، وغيرها، مؤكدًا أنه رغم غيابه الإعلامي، لم يتوقف عن العمل، بل كان يكتب بعيدًا عن الأضواء، ويستعد لعودة قوية بمشاريع جديدة.
القلق من تكرار المحتوى وضعف المضمون
عبّر معاطي عن قلقه من تراجع جودة بعض الأعمال الدرامية الحديثة، مؤكدًا أن الجمهور المصري ذكي ولا يقبل بالتكرار أو السطحية. ودعا الكتّاب الشباب إلى البحث عن العمق والمعنى، لأن "الدراما الحقيقية هي التي تعيش، أما التريند فهو مؤقت".
كشف يوسف معاطي عن أخطر محطة في مسيرته المهنية، عندما تلقى تهديدات بسبب برنامجه الساخر "إرهابيات وشارونيات"، الذي تناول فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون. وأوضح أن البرنامج أغضب الكيان الصهيوني لدرجة سحب إعلانات من شركات كبرى، لكنه أصرّ على الاستمرار بدعم الجمهور.
النزوح من السويس.. جرح الطفولة
استعاد يوسف معاطي ذكريات التهجير من مدينة السويس خلال العدوان الإسرائيلي، مؤكدًا أن تلك التجربة شكلت وجدانه الفني، وزرعت داخله إحساسًا بالقضايا الوطنية. ولفت إلى أن فيلم "السفارة في العمارة" كان انعكاسًا لالتزامه تجاه القضية الفلسطينية.
تحدث يوسف معاطي عن فيلم "حسن ومرقص"، الذي ناقش الفتنة الطائفية بأسلوب ساخر وإنساني، مؤكدًا أن الكوميديا يمكن أن تكون بوابة لطرح قضايا في غاية الحساسية. وشدد على أن "الضحك إذا لم يحمل رسالة، يصبح بلا معنى".
سنوات الغربة أثمرت "الكوميديا الفرعونية"
خلال سنواته في الخارج، أنجز يوسف معاطي عددًا من المشاريع الأدبية، أبرزها كتاب "الكوميديا الفرعونية"، الذي يعكس الرابط بين المصري القديم وروح الدعابة. وأكد أن هذا الكتاب يؤكد أن الفكاهة جزء من الجينات الثقافية المصرية منذ آلاف السنين.
أبدى يوسف معاطي تحفظه على "ورش الكتابة"، موضحًا أنها لا تصنع كُتابًا بأسماء أو هويات واضحة، بل تقدم أعمالًا جماعية تفتقر إلى البصمة الفردية. وأضاف أن الإبداع الحقيقي يحتاج إلى عزلة وتأمل وقدرة على الغوص في النفس البشرية، وليس مجرد تقسيم للمهام بين عدد من الكُتّاب.
السينما المصرية الكلاسيكية.. الحنين والإلهام
عبّر يوسف معاطي عن إعجابه بفيلمين من العصر الذهبي هما "الكرنك" و"ثرثرة فوق النيل"، وقال إنهما يمثلان ذروة الدراما الفكرية في السينما المصرية، أن سر خلود تلك الأعمال هو عمقها وجرأتها، في وقت كانت فيه السينما منصة للفكر والوعي وليس فقط للترفيه.
مكالمة يحيى الفخراني.. لحظة مؤثرة على الهواء
في مفاجأة مميزة، تلقى يوسف معاطي مكالمة هاتفية من الفنان القدير يحيى الفخراني خلال الحلقة، عبّر فيها الأخير عن سعادته بعودة صديقه، قائلًا: "غيابك خسارة كبيرة للفن"، واستعاد الثنائي ذكريات العمل المشترك، خاصة في مسلسل "يتربى في عزو" ومشهد وفاة "ماما نونة"، الذي كتبه معاطي من واقع تجربته الشخصية بعد وفاة والدته.
اختتم يحيى الفخراني مكالمته بدعوة صريحة ليوسف معاطي للعودة إلى الكتابة، مؤكدًا أن الفن يحتاج إلى قلمه من جديد. وقال: "أنا مش هسيبك غير لما نرجع نشتغل سوا"، وهي رسالة صادقة تعكس ما يمثله معاطي من قيمة إبداعية وإنسانية لا تعوض.
عودة منتظرة إلى وجدان الجمهور
شكل ظهور يوسف معاطي في "واحد من الناس" لحظة خاصة لكل من تابع أعماله، وأعاد التذكير بقوة الكلمة وصدق الفن. وبين حنين الجمهور وإشادة الفنانين، تبقى الآمال معلّقة بعودة الكاتب الذي أضحك وأبكى الملايين، إلى الساحة الإبداعية من جديد.