ما حكم قول "تقبل الله" بعد الصلاة؟.. دار الإفتاء توضح

في مشهد يتكرر يوميًا داخل المساجد، يهمّ المصلون بالانصراف بعد أداء الصلاة، فيبادر أحدهم جاره أو من بجانبه بعبارة مألوفة: “تقبّل الله”، ليرد الآخر: “منا ومنكم”، أو “آمين”. عبارة اعتاد عليها المسلمون حتى باتت جزءًا من طقوس ما بعد الصلاة.
لكن، هل لهذا الدعاء أصل في الشريعة؟ وهل يشرع للمسلم أن يدعو بها عقب كل صلاة؟ وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء المصرية أن دعاء المصلين لبعضهم البعض بعد الانتهاء من الصلاة بما تيسر من كلمات الدعاء هو أمر مشروع ولا وجه لإنكاره شرعًا، لأن أصل الدعاء نفسه من العبادات المشروعة، ويكون بعد الصلاة أكثر استحبابًا وأشد تأكيدًا. فإذا صدر الدعاء من المسلم لأخيه، كان ذلك أدعى للقبول عند الله.
وقد اعتاد المسلمون قديمًا وحديثًا على هذا الفعل، وهو من السُّنن الجارية في جماعة المسلمين. أما إنكار هذا الفعل أو وصف من يفعله بالبدعة، فهو من صور التشدد والغلو في الدين، وهو أمرٌ منهيٌّ عنه في الشريعة، ولا يرضى به الله عز وجل ولا رسوله صلى الله عليه وسلم
حكم قول “تقبّل الله” بعد الصلاة
قول المسلم لأخيه المسلم “تقبل الله” عقب الصلاة، وردت فيه أدلة عامة وأخرى خاصة، تدل بمجموعها على أن هذا الدعاء مستحب شرعًا، وليس بدعة كما يظن بعض الناس، بل هو من جوامع الخير والدعاء بالقبول، وقد جرى عليه عمل الصحابة والتابعين والسلف الصالح.
أولًا: الدعاء بعد الصلاة مشروع ومستحب
الدعاء مأمور به شرعًا في كل وقت، ومنه ما يكون عقب الصلوات، وقد دلَّ على ذلك:
• قول الله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].
• وقوله: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ [النساء: 103].
• وحديث النبي ﷺ لما سُئل: “أي الدعاء أسمع؟” قال: «جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ» (رواه الترمذي).
ثانيًا: الدعاء بقبول العبادة مشروع بنصوص خاصة
• كما دعا سيدنا إبراهيم عليه السلام عقب بنائه الكعبة فقال: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾ [البقرة: 127].
• ودعت امرأة عمران بقبول نذرها: ﴿فَتَقَبَّلْ مِنِّي﴾ [آل عمران: 35].
• وقال الحافظ ابن حجر: هذا دليل قوي على مشروعية الدعاء بالقبول لمن أدى عبادة.
ثالثًا: ورود صيغة “تقبل الله منا ومنك” في السنة وآثار الصحابة
• عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: “لقيت رسول الله ﷺ يوم عيد فقلت: تقبَّل الله منا ومنك، فقال: نعم، تقبَّل الله منا ومنك” (رواه الطبراني).
• وكان الصحابة إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: “تقبل الله منا ومنك” (أخرجه المحاملي، وحسنه ابن حجر).
• وسُئل الإمام أحمد عن ذلك فقال: لا بأس به، يروى عن أبي أمامة، وواثلة بن الأسقع، ولا يُكره أن يُقال يوم العيد.
رابعًا: منهج السلف في الدعاء بالقبول
كانوا إذا فرغوا من العبادة، أشد ما يكون حرصهم على قبولها:
• فعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي ﷺ فسر الآية: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ بأنهم الذين “يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون أن لا يُقبل منهم”.
• وقال عليٌّ رضي الله عنه: “كونوا لِقَبول العمل أشدَّ همًّا منكم بالعمل”.
خامسًا: ورود حديث خاص في الجمعة
ورد حديث –وإن كان في إسناده كلام– عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال:
“مَن لقي أخاه عند الانصراف من الجمعة، فليقل: تقبَّل الله منا ومنك، فإنها تُغفر لهما” (رواه الضحاك عن ابن عباس). وهذا على ضعفه يُقوَّى بمجموع الآثار والسياق العام