عاجل

ذكرى ميلاد الإمام البخاري.. حكاية صاحب الجامع المسند الصحيح وكم حديثا دون؟

صاحب الجامع الصحيح
صاحب الجامع الصحيح

تحل اليوم، ذكرى ميلاد الإمام البخاري، أحد أشهر علماء الحديث وصاحب صحيح البخاري، والذي ولد في مثل هذا اليوم لعام 810، وفي السطور التالية نوضح من هو محمد بن إسماعيل البخاري؟ 

ذكرى ميلاد الإمام البخاري 

يعد الإمام البخاري صاحب الجامع الصحيح للسنة النبوية المطهرة، واحدًا من أكثر الرجال جدلًا خاصة بين الذين يثبتون له العلم وآخرين يكذبون وينكرون جهده إلا أنه يظل أعجوبة زمانه، فمن هو وكيف استطاع أن يوثق السنة؟ 

أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفَّى في1 شوال 256 هـ - 1 سبتمبر 870 م، أحد أشهر علماء الحديث، حيث اعتنتْ أمَّة الإسلام منذ العهد النَّبويّ بالحديث الشَّريف حفظًا وتطبيقًا وروايةً وتدوينًا؛ لمعرفتها قدره، ووَعيِهَا أهميتَه لبيان وفهم القُرآن الكريم.

ورغم الجهود المُضنِية التي قدَّمها الصَّحابةُ والتَّابعون وتابعوهم لخدمة سُنَّة سيدنا رسول الله ﷺ خلال قرنين كاملين من الزَّمان إلَّا أنَّ صحيح الإمام البخاريّ سيظل علامة فارقة في تاريخ تدوين السنة كلِّه، وسيظل الإمام البخاريّ هو دُرَّة أهل الحديث وأميرُهم وإن تباعد زمانُه، لا لشيء سوى ما مَنَّ الله به عليه من جودة الحفظ، ودقّة الفهم، وسرعة البديهة، واتِّقاد الهمّة، وما وُفِّق إليه من تأسيس مدرسة البحث العلمي الأولى في الاستقصَاء والاستدلال والعَزو.

ومع أنَّ (الصَّحيح) لم يكن مُؤلَّفَه الوحيد -فقد تجاوزت مؤلفاتُه الثَّلاثين كتابًا- إلا أنه كان أبرزها وأقيمها، بل إنْ شئت قُلتَ: كان صحيح الإمام البخاريّ مشروعَ حياةٍ متكامل.

بدأ البخاريّ رحلةَ تأليفه مع طلبِه للعلم منذ نعومة أظفاره، وأنهاها في مجالس حديثه التي طاف بها البلاد، وأسمع فيها صحيحَه نحو 90,000 إنسان إلى أن وافته المنيَّة رحمه الله.

وبين البداية والنَّهاية كانت حياة مُفعَمة بالنَّشاط في تحصيل العلوم، والتَّجرّد في تبليغها، والتَّطواف والتَّرحال بين الأمصار، والدِّراسة والتَّمحيص لتراجم آلاف الرُّواة، والتَّلقِّي والكتابة عن 1,080 شيخًا، هم أئمة الحديث الشَّريف في زمانه.

وكانت خلالها -أيضًا- المرحلة المضيئة لتدوين (الصَّحيح)، التي بدأها وهو ابن ثمانِيةَ عشر عامًا؛ وختمها بعد أن بلغَ الرابعة والثلاثين، وأودَعَهَا زهرة شبابه.

ستة عشر عامًا كاملة عَمَد خلالها هذا الإمام العظيم إلى تلال المرويَّات الحديثيَّة المُتراكمة، واستخرج من بين الرُّكام صحيحَها، ثم انتقى من بين الصِّحاح نفيسَها؛ مُقررًا للحُكْمِ على الرُّواة معاييرَ دقيقة، ومُعتمدًا لقبول المرويات شروطًا صارمة لم تعهدها حقول البحث التَّاريخيّ قبله، وهي اشتراط: اتِّصال السَّندِ، وعدالة الرُّواة، وتمام ضَبطِهم، وعدم الشُّذُوذ، وعدم العِلَّة، مع أمانةٍ بالغةٍ في إيراد المتن شَهِد بها القاصي والدَّاني؛ كل هذا في المرويَّة الواحدة.

ما هو معيار البخاري الرئيس في تصحيح الحديث؟ 

فقد كان معيارُه الرئيس في تصحيح الحديث هو: التَّثبُّت من هُوية كافَّة رُواتِه، والتَّحقُّق من نزاهتهم وتقواهم، وخلُوّهم من التَّحيُّزات المذهبيَّة، والتَّوجُّهات الحزبية، والأهواء الشَّخصيّة؛ فإن ثبت إلى جوار عدالة الرُّواة هذه ضَبطُهم، واتصالُهم الزَّمنيّ باللُّقيا والمعاصرة معًا اعتُبِر الحديث صحيحًا لديه.

ويكفي للتَّدليل على عظيم بذلِه في تدوين (الصَّحيح) أنَّه رحمه الله انتقى أحاديثَه البالغةَ 2,761 حديثًا بدون المكرر من بين 600,000 حديث، وصنَّفه ثلاثَ مراتٍ في كل مرةٍ يهذّب وينقّح إلى أن أخرجه للنُّور تحت عنوان: (الجامع المُسْنَد الصَّحيح المُختَصر من أُمور رسول الله ﷺ وسننه وأيَّامه)، ثمّ قال: ما أَدخَلتُ في هذا الكتاب إلّا ما صحّ، وتركتُ من الصِّحاح كي لا يطول الكتاب.

ومع اهتمام البخاريّ باتصال السَّند وصحَّته؛ فقد طلب إلى جوارهما عُلوَّه كذلك، حتى أُحصِي له في الصَّحيح أكثر مِن 20 حديثًا لم يكن بينه وبين النَّبي ﷺ فيها إلا ثلاثة رجالٍ فقط، وهي المعروفة بـ (ثُلاثِيَّات البُخاري).

بالإضافة لما احتفَّ به تدوين (الصَّحيح) من النَّفحات والقُربات؛ فقد بَدَأَ البخاريّ تصنيفه في المسجد الحرام، وكَتَبَ تراجمه في روضة المسجد النَّبويّ الشَّريف بين قبره ﷺ ومنبره، وكان يُصلي لكل ترجمة ركعتين، ولم يُدخِل إليه حديثًا إلا إذا اغتسل وصلى لله تعالى ركعتين كذلك، ولا عجب.. فقد كان الإمام البخاري آيةً في الإخلاص والورع والعبادة رحمه الله تعالى.

وبعد أن أتمَّ البخاري تدوينه عَرَضَه على أكابر علماء عصره من أساتذةِ الحديثِ وجَهابِذَتِه شيوخًا وأقرانًا، أمثال الإمام أحمد بن حنبل، والإمام أبي زُرْعَة الرَّازي؛ فاستحسنوه، ومدحوه، وشهِدوا له بالصِّحة، ثمَّ تلقَّته الأُمَّة على مرِّ العصور بالقبول؛ معتبرةً إياه أصحّ الكتب بعد كتاب الله عز وجل.

كما حرص علماءُ الأمَّة على خدمتِه؛ نَسْخًا، وشَرْحًا، ودراسةً لأسانيده ورجاله وتراجمه وفقهه، ودفعًا لما أُثِير حوله من الأوهام والشُّبهات؛ حتى بلغت الأعمال العلميَّة المُفرَدة له نحو 500 مُؤلَّف، ناهيكَ عن المؤلفات التي تناولتْه عَرَضًا من غير إفراد؛ فهذه أكثر من أنْ تُحصَى.

ولم يُعرَف خلال تاريخ أمَّة الإسلام كتابٌ بعد القرآن الكريم له مكانةٌ كمكانةِ (الصَّحيحِ) أو هيبةٌ كهيبتِه؛ فقد قُدِّر عدد مخطوطاته في مكتبات العالم بأكثر مِن 25,000 قطعة منه؛ مما يُؤكِّد تَغلغُلَه في وجدان هذه الأمة وضِميرها؛ ولمَ لا؟! وقد استَمَدَّ مكانتَه لدى المسلمين من مَكانة السُّنَّة، ومكانة صاحِبِها عليه أفضل الصلاة وأتمّ السلام. ذاك هو (الصَّحيح) الذي لن يكفَّ المسلمون عن توقيره وتبجيله ما بقيت أُمَّتُهم.

جهود البخاري في توثيق السنة

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن توثيق السنة النبوية جرى بمنهج علمي دقيق منذ عهد الصحابة واستمر حتى عصور التابعين وتابعيهم، مشيرًا إلى أن الإمام البخاري كان أعجوبة زمانه في علم الحديث.

وأوضح عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومفتي الجمهورية الأسبق، خلال بودكاست "مع نور الدين"، المذاع على قناة الناس، أن بعض الفرق التي لم تُعجبها بعض الأحاديث أو المرويات، بدأت تُهاجم الصحابة – وعلى رأسهم سيدنا معاوية بن أبي سفيان – ولكن علماء الأمة وقفوا بالمرصاد لهذا العبث.

وقال: "ما دام الصحابي روى عن رسول الله، فالأصل فيه الثقة والعدالة، الجيل الذي جاء بعد الصحابة، وهو جيل التابعين، قُسِّم إلى ثلاث طبقات: كبار، وأواسط، وصغار، أما الكبار مثل سعيد بن المسيب، فقد رأوا العشرة المبشرين بالجنة، وهؤلاء ألحقوا بالصحابة من حيث التوثيق."

وأشار إلى أن الإمام مالك حين جمع حديثه في «الموطأ»، أسس لمرحلة عظيمة من جمع الحديث، ثم جاء الإمام الشافعي فطوّر هذا المسار، وظهر تلميذه المزني الذي اختصر الفقه من دون الأحاديث، ليأتي بعده الإمام البيهقي ويكتب «السنن الكبرى» في عشرة مجلدات، مستندًا إلى فقه الشافعي وتوثيق الأحاديث، فقال: "كل كلمة للشافعي وُجد لها دليل من الكتاب أو السنة، والبيهقي تتبّعها وأثبتها بدقة."

وعن الإمام البخاري، قال الدكتور علي جمعة: "البخاري كان يحفظ 600 ألف حديث بإسناد، وانتقى من بينهم نحو 7,000 حديث ليضعها في صحيحه، منها 2,600 غير مكرر، وكان أقصر إسناد عنده ثلاثي: عن التابعي عن الصحابي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وسمّي هذا بـ«الثلاثيات»".

تم نسخ الرابط