عاجل

السيئة الجارية.. هل يعاقب الفنان التائب على ذنبه حال إذاعة أعماله بعد التوبة؟

التوبة
التوبة

هل يعاقب الفنان التائب على ذنبه حال إذاعة أعماله بعد التوبة؟، من الأسئلة التي لازالت تعلق بالأذهان خاصة منذ وفاة المطرب أحمد عامر وإعلان البعض الوصية بحذف أعمالهم، لكن هل من يتوب عن عمل أو ذنب فعله يعاقب على إعادة نشره سواء أكان عمل درامي أو غنائي وغيره؟

حكم التوبة وفضلها

التوبة من المعصية واجبة شرعًا باتفاق الفقهاء؛ لأنها من أهم قواعد الإسلام، حيث قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" عند تفسيره لقول الله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]: [قوله تعالى ﴿وَتُوبُوا﴾: أمر، ولا خلاف بين الأمة في وجوب التوبة، وأنها فرض متعين.. والمعنى: وتوبوا إلى الله فإنكم لا تخلون من سهو وتقصير في أداء حقوق الله تعالى، فلا تتركوا التوبة في كل حال].

وقالت دار الإفتاء إن التوبة من الذنوب واجبة، على المذنب أن يبادر بها؛ ليخرج من الدنيا سليمًا معافًى آملًا وراجيًا من الله عزَّ وجلَّ أن يتفضَّل عليه ويُدخله الجنة وينجيه من النار، وإذا تعلَّق الذنب بحقوق العباد فلا بد من التحلل من المظلمة؛ لأن الله تعالى قد يغفر ما كان من الذنوب متعلقًا بحقه، ولا يغفر ما كان متعلقًا بحقوق العباد، إلا إذا تحلَّل الظالم من المظلوم فسامحه.

وشددت الإفتاء: مَن كان مِن المسلمين يفعل ذنبًا أو معصية فعليه بالتوبة من ذلك، وقد تفضل الله تعالى على عباده بقبول توبتهم والعفو عن سيئاتهم، فمتى تاب العاصي من معصيته واستغفر الله لذنبه قَبِل الله توبته وغفر له؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 110]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: 25]، وهذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الشريف؛ فعن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه، أن رسول صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» أخرجه ابن ماجه والبيهقي في "السنن"، والطبراني في "الكبير".

السيئة الجارية

أمين الفتوى بدار الإفتاء الدكتور محمد الأدهم قال في تصريحات خاصة لـ «نيوز رووم»، إن الأعمال التي يقدمها الإنسان سواء أكان ممثلًا أو مغنيًا وغيرهما هي أشبه ما تكون بالحسنة الجارية والسيئة الجارية.

ويقول الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن من يتوب إلى الله تاب الله عليه ومن يفعل الموبقات ويستغفر الله يقبل الله استغفاره ويستبدل سيئاته بالحسنات، قال تعالى "وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا "النساء (110).

واستدل أيضا بقوله الله تعالي في سورة الفرقان: "وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا".

وأوضح أمين الفتوى أنه إذا أذنب الإنسان فعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه ويقترب بالصالحات من الله، فمن تقرب إلى الله شبراً تقرب له ذراعا فعن أنس عن النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه قال: "إذا تقرب العبد إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة".

هل تمحى الذنوب من الصحيفة بعد التوبة؟

يقول الشيخ محمد عبدالعظيم الأزهري عضو لجنة الإفتاء بالأزهر، إن الله يغفر الذنوب، ولكن لا يمحوها من الصحيفة حتى يوقفه عليها يوم القيامة، حتى وإن تاب توبة لا رجوع للذنب، يدني الله العبد يوم القيامة ، فيضع عليه كنفه فيستره من الخلائق كلها ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر، فيقول: اقرأ يا ابن آدم كتابك ، فيقرأ ، فيمر بالحسنة فيبيض لها وجهه، ويسر بها قلبه، فيقول الله أتعرف يا عبدي، فيقول نعم، فيقول : إني قبلتها منك ، فيسجد، فيقول : ارفع رأسك وعد في كتابك، فيمر بالسيئة فيسود لها وجهه، ويوجل لها قلبه، وترتعد منها فرائصه، ويأخذه من الحياء من ربه ما لا يعلمه غيره، فيقول: أتعرف يا عبدي، فيقول: نعم، يا رب، فيقول : إني قد غفرتها لك، فيسجد، فلا يرى منه الخلائق إلا السجود حتى ينادي بعضهم بعضا: طوبى لهذا العبد الذي لم يعص الله قط ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبين ربه مما قد وقفه عليه.

متى تقبل توبة الفنان عن أعماله، وهل تشفع الوصية بحذفها بعد الموت؟

فيما قال الشيخ مظهر شاهين إمام وخطيب مسجد عمر مكرم، إن التوبة الصادقة لا تكون بتوصيات تُكتب على فراش الموت، بل بالفعل الصادق في الحياة، قبل أن يُغلق باب الرجوع، قال الله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ}.

وشدد: من كان صادقًا في توبته فليُبادر اليوم إلى محو ما يراه منكرًا في حياته، لا أن يؤجله إلى حين لا يملك فيه تغيير شيء. ومن كان يرى عمله حلالًا، فليتحمل مسؤوليته كاملة أمام الله، دون أن يتنصل منه عند دنو الأجل، فالحلال لا يُتبرأ منه، ولا يُستحى من الإبقاء عليه.

وأكد مظهر شاهين إمام وخطيب مسجد عمر مكرم أن التناقض بين إعلان البراءة من العمل بعد الموت، والمضي فيه أثناء الحياة، لا يليق بمن يحترم دينه أو عقله أو ضميره. وإن الصدق مع الله يقتضي وضوح الموقف، لا ازدواجية في المواقف، فلنراجع أنفسنا، فإن ما بعد الموت ليس محل تجميل أو تدارك، بل هو وقت الجزاء والحساب: {وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} .

تم نسخ الرابط