هل يجب إعلام الشخص الذي وقعت عليه الغيبة عند التوبة؟ الإفتاء توضح

أكدت دار الإفتاء المصرية أن التوبة من الغيبة تكون باستيفاء شروطها، وهي: الندم الصادق على ما صدر من ذنب، والإقلاع الفوري عن ارتكابه، والاستغفار من هذا الفعل المحرم، والإخلاص في التوبة لله تعالى، مقرونًا بالعزم الجازم على عدم العودة إليه مجددًا، حتى تُعد التوبة توبةً نصوحًا مقبولة بإذن الله.
ويُستحب للمغتاب أن يزيد على ذلك بالدعاء لمن اغتابه، والاستغفار له، والسعي إلى الثناء عليه في المجالس التي وقعت فيها الغيبة، تعويضًا عمّا بدر من إساءة في حقه.
أما إعلام من وقعت عليه الغيبة وطلب مسامحته، فلا يُشترط لصحة التوبة، وهو ما عليه العمل والفتوى؛ لأن إخباره قد يُفضي إلى إيذائه نفسيًّا، ويثير الحقد والعداوة بين الطرفين، مما قد يسبب مفسدة أعظم من الغيبة نفسها، ويتعارض مع مقصود الشريعة من تعزيز المحبة والألفة بين المسلمين.
وقد قرر أهل العلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وهذا أصل شرعي معتبر يُرجّح كفة الكتمان والتوبة الصادقة على المجاهرة بما قد يُفضي إلى ضررٍ أشد
مفهوم الغيبة وحكم التوبة منها
الغيبة شرعًا تُعرّف بأنها: ذكر المسلم أخاه بما يكرهه في غيبته، سواء كان ذلك في خَلقه أو خُلقه أو أفعاله أو أقواله، ما دام يكرهه لو سمعه. وهي من الكبائر التي نهى عنها الشرع لما فيها من أذى للمسلم وتفكك لأواصر المجتمع.
التوبة من الغيبة.. بين حق الله وحق العباد
الغيبة من الذنوب التي تتعلق بحق الله تعالى وبحق العباد، لذا فإن التوبة منها يجب أن تُراعي الجانبين:
• فيما يخص حق الله: يجب على المغتاب أن يندم على فعله، ويُقلع عنه، ويعزم على عدم العودة إليه، ويستغفر الله تعالى.
• وفيما يخص حق العبد: يستحب أن يدعو لمن اغتابه ويستغفر له، إذ قد يكون قد تسبب في أذيته المعنوية دون علمه.
هل يجب إعلام من وقعت عليه الغيبة؟
اختلف العلماء في هذا الأمر على ثلاثة أقوال، بحسب بلوغ الغيبة لمن وقعت عليه:
الرأي الأول: لا يجب إعلامه إذا لم يعلم
ذهب جمهور من الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة في إحدى الروايات إلى أن من اغتاب أحدًا، ولم تكن الغيبة قد وصلت إليه، فلا يجب عليه إخباره أو طلب المسامحة منه. بل تكفيه التوبة والاستغفار والدعاء لمن اغتابه؛ لأن إخباره قد يسبب له حزنًا وغضبًا، ويولد عداوة قد لا تُطفأ.
وقد استدل هؤلاء بحديث النبي ﷺ:«إِنَّ من كَفَّارَةِ الْغِيبَةِ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِمَنِ اغْتَبْتَهُ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَه»
رواه البيهقي والخرائطي.
وقال الإمام الحصكفي:
“إذا لم تبلغه يكفيه الندم”.
وأكد ابن عابدين في حاشيته:
“إن لم يطب قلبه بعد اعتذار المغتاب، فتبقى له المطالبة يوم القيامة، لكن الاجتهاد في الاعتذار له أجر، والمهم هو الإخلاص”.
الرأي الثاني: يجب إعلامه مطلقًا
المالكية ذهبوا إلى وجوب الاستحلال ممن اغتيب، سواء علم أو لم يعلم، ولو بلفظٍ عام، كأن يقول له: “قد صدر مني ما قد أساءك، فاجعلني في حِلٍّ”.
قال النفراوي المالكي:
“الغيبة لها جهتان: الأولى تعالج بالتوبة، والثانية –وهي أذية المغتاب– لا تزول إلا بالتحلل والعفو”.
الرأي الثالث: لا يُشترط الإعلام مطلقًا
وهو قول الحسن البصري، ومجاهد، والحناطي، ومذهب معتبر في الشافعية والحنابلة، اختاره ابن تيمية، وبه أفتت بعض دور الإفتاء.
حجتهم أن إعلام من اغتيب بالغيبة قد يؤدي إلى ضرر أكبر، ويفسد العلاقة، وقد يُدخل العداوة بدلاً من الإصلاح. والقاعدة الفقهية تقول:
“درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”.
وقد رجّح الإمام الغزالي هذا القول أيضًا، حيث قال:
“يكفي في كفارة الغيبة: الندم والاستغفار، والدعاء لمن اغتيب، والثناء عليه في مواضع الغيبة”.
الرأي المختار للفتوى
المختار للفتوى والعمل: أنه لا يُشترط إعلام من اغتيب إذا لم يعلم بالغيبة، بل يُكتفى بالتوبة النصوح، والندم، والدعاء له، والاستغفار بصدق.
وهذا أرجح لما فيه من مراعاة للمصلحة، وتفادي وقوع ضرر أكبر من الغيبة نفسها. كما أن الغاية من التوبة إصلاح النفس وصون العلاقات، لا إشعال الفتن.
قال ابن تيمية في “كشاف القناع”:
“الصحيح من الروايتين أنه لا يجب الاعتراف للمظلوم”