بسبب الحصار المالي الإسرائيلي
السلطة الفلسطينية تلجأ للاقتراض من البنوك لصرف رواتب الموظفين

تواجه السلطة الفلسطينية أزمة مالية خانقة بعد امتناع إسرائيل عن تحويل أموال العوائد الضريبية “المقاصة” المستحقة عن شهري مايو ويونيو الماضيين، مما جعلها غير قادرة على دفع رواتب موظفيها بشكل كامل، إلى جانب عجزها عن الوفاء بالعديد من التزاماتها المالية الأخرى.
وقال محمد ربيع، المحاسب العام في وزارة المالية الفلسطينية، للإذاعة الرسمية، اليوم الثلاثاء، إنه "لا يوجد موعد محدد لصرف الرواتب حتى الآن"، وهو ما وضع قرابة 240 ألف موظف في حالة من الترقب والقلق، خاصة بعد تصاعد المطالبات من قبل النقابات والموظفين، إلى جانب حملة واسعة من الغضب على منصات التواصل الاجتماعي.
ومنذ أكثر من عامين، تكتفي السلطة الفلسطينية بدفع جزء من الرواتب لموظفي القطاعين المدني والعسكري، نتيجة اقتطاع إسرائيل حوالي 50 مليون دولار شهرياً من أموال المقاصة، وهي القيمة التي تقول إسرائيل إن السلطة تدفعها لأسر الشهداء والأسرى الفلسطينيين.
وقد زادت الأزمة حدة بعد اندلاع الحرب على غزة، حيث شرعت إسرائيل باقتطاع حصة غزة من أموال المقاصة، إلى جانب اقتطاعات أخرى لتعويض عائلات قتلى إسرائيليين، وأخرى تحت بند ديون مستحقة على الفلسطينيين، مثل أثمان الكهرباء والوقود والخدمات الطبية.
أموال المقاصة.. عصب الموازنة الفلسطينية
بموجب اتفاق أوسلو، تتولى وزارة المالية الإسرائيلية جمع الضرائب المفروضة على السلع المستوردة إلى الأراضي الفلسطينية، وتحوّلها شهرياً إلى خزينة السلطة.
وتشكل هذه التحويلات نحو 75% من الميزانية السنوية للسلطة، أي ما يعادل ما بين 750 إلى 800 مليون شيقل شهرياً في الظروف العادية.
وفي ظل الأزمة، حاولت السلطة الاستمرار في دفع حوالي 70% من قيمة الرواتب، لكنها اضطرت في شهر أبريل الماضي إلى تقسيم الرواتب على دفعتين، بواقع 35% لكل دفعة.
وتُقدّر وزارة المالية الفلسطينية أن المتأخرات المستحقة للموظفين حتى نهاية مايو 2025 بلغت نحو 1.8 مليار دولار، فيما بلغ إجمالي الأموال المحتجزة لدى إسرائيل من أموال المقاصة حوالي 8.5 مليار شيقل، أي ما يعادل 2.5 مليار دولار.
كما تراجعت المساعدات الخارجية بشكل كبير، مما فاقم الوضع، وبحسب ربيع، فإن 70% من إيرادات السلطة تأتي من أموال المقاصة، و25% من الإيرادات المحلية، في حين لا تتجاوز المساعدات والمنح الخارجية 5% فقط.
تحركات دبلوماسية وضغوط دولية
وأظهرت البيانات الرسمية لوزارة المالية أن السلطة لم تتلقَ خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري سوى 400 مليون شيقل، خصص منها 75 مليون شيقل لرواتب موظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين، بالإضافة إلى دعم مستشفيات القدس.
ومع توقف إسرائيل عن تحويل أموال المقاصة لشهري مايو ويونيو، والتي تبلغ حوالي 890 مليون شيقل بعد الاقتطاعات، كثفت السلطة الفلسطينية اتصالاتها مع دول عربية وأوروبية، إلى جانب وسطاء دوليين، للضغط على إسرائيل من أجل إعادة تحويل الأموال المحتجزة والالتزام بالتحويلات الشهرية.
وزيرة الخارجية الفلسطينية تناقش الاتحاد الأوروبي الحصار المالي الإسرائيلي
وفي هذا السياق، ناقشت وزيرة الخارجية والمغتربين الفلسطينية فارسين شاهين، المسألة مع المفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط، دوبرافكا سويكا، خلال الاجتماع الوزاري الخامس للاتحاد الأوروبي في بروكسل.
وشددت شاهين على أن الأموال المحتجزة هي حق مشروع للشعب الفلسطيني، داعية الاتحاد الأوروبي إلى ممارسة ضغط فعلي على حكومة الاحتلال الإسرائيلي لإطلاق سراحها، ووصفت استمرار احتجازها بأنه "غير قانوني".
وأضافت الوزيرة الفلسطينية: "الأساليب التقليدية في التعامل مع إسرائيل لم تعد مجدية، وهناك ضرورة ملحة لفرض عقوبات بسبب خروقاتها المتكررة للقانون الدولي".
خطط بديلة عبر البنوك
وفي ظل هذا الانسداد المالي، بدأت السلطة الفلسطينية في بحث خيارات بديلة لصرف رواتب موظفيها، ولو جزئياً، حيث وصرح محمد ربيع المحاسب العام في وزارة المالية الفلسطينية: "نعمل على إعداد خطط بديلة لصرف الرواتب، قد تتضمن اللجوء إلى تمويلات من البنوك، رغم أننا تجاوزنا بالفعل سقف الاقتراض، والذي بلغ حالياً أكثر من 3 مليارات دولار".
وكان مسؤول فلسطيني قد كشف، الأسبوع الماضي، أن السلطة قد تتمكن من صرف نحو 35% من الرواتب، وربما أكثر أو أقل، وفقاً لما يتوفر من موارد.
وزاد هذا الوضع زاد من حدة الضغوط الاقتصادية على الضفة الغربية وعلى الموظفين تحديداً، وهو ما أدى إلى موجات من الإضرابات والاحتجاجات.
وفي استجابة لذلك، أصدرت الحكومة الفلسطينية تعميماً إلى الجهات المختصة للتنسيق مع مؤسسات التعليم العالي، وهيئات الحكم المحلي، وقطاع الاتصالات، وهيئة التقاعد، لاتخاذ إجراءات تخفف من وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة على موظفي القطاع العام.
وأكدت الحكومة في بيانها أن هذه الخطوة تأتي "في إطار دعم صمود الموظفين، وضمان استمرارهم في أداء مهامهم، وتعزيز مبدأ التضامن والتكاتف في ظل الحصار المالي".
وطالب التعميم الجهات المعنية بضمان عدم انقطاع الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والاتصالات والإنترنت عن الموظفين، فضلًا عن تسهيل أقساط رسوم الجامعات، وعدم اتخاذ أي إجراءات بحق الطلبة على خلفية الالتزامات المالية، إلى حين انتهاء الأزمة وانتظام صرف الرواتب.