متى تتحول عدة المرأة من الأشهر إلى الأقراء.. متى تعتد بأبعد الأجلين؟

يكثر البحث عن أحكام المرأة المطلقة والمعتدة، حيث ورد أسئلة تقول: متى تتحول عدة المرأة من الأشهر إلى الأقراء؟ ومتى تتحول من الأقراء إلى الأشهر أو وضع الحمل؟ ومتى تتحول من الأشهر أو الأقراء إلى عدة الوفاة؟ ومتى تعتد بأبعد الأجلين؟
متى تعتد بأبعد الأجلين؟
يقول الشيخ السيد مرعي الواعظ العام بالأزهر الشريف في بيانه أحكام العدة للمرأة مطلقة كانت أم أرملة وهي كالتالي:
1- تحول عدة المرأة وتنتقل وتتغير من الأشهر إلى الأقراء: إذا طلقت الصغيرة أو من بلغت سن اليأس، فشرعت في العدة بالشهور، ثم حاضت قبل انتهاء العدة، لزمها الانتقال إلى الأقراء، وبطل ما مضى من عدتها (لا عبرة بما مضى من عدتها)، ولا تنتهي عدتها إلا بثلاثة أقراء (ثلاث حيضات كوامل عند الحنفية والحنابلة، وبثلاثة أطهار عند المالكية والشافعية)؛ لأن الشهور بدل عن الأقراء، فلا يجوز الاعتداد بها مع وجود أصلها، كالقدرة على الوضوء في حق المتيمم ونحوها.
والآيسة لما رأت الدم تبين أنها أخطأت الظن. قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: (أجمعوا أنَّ الصبيَّةَ أو البالِغةَ المُطَلَّقةَ التي لم تحِضْ إن حاضَت قبل انقِضاءِ الثلاثةِ الأشهُرِ بيَومٍ أو أقَلَّ مِن يومٍ: أنَّ عليها استِئنافَ العِدَّةِ بالحَيضِ).
أما إذا انقضت عدتها بالشهور، ثم حاضت بعد انقضاء العدة، لم يلزمها استئناف العدة بالأقراء؛ لأن هذا معنى حدث بعد انقضاء العدة، وقد حصل المقصود بالبدل، فلا يبطل حكمه بالقدرة على الأصل، كمن صلى بالتيمم، ثم قدر على الماء بعد انتهاء وقت الصلاة، فلا يجب عليه الوضوء وإعادة الصلاة.
2-تحول العدة وتنتقل وتتغير من الأقراء إلى الأشهر أو وضع الحمل: إذا شرعت المطلقة في العدة بالأقراء، ثم ظهر بها حمل من الزوج، بناء على رأي المالكية والشافعية بأن الحامل قد ترى الدم، سقط حكم الأقراء، وتعتد بوضع الحمل؛ لأن الأقراء دليل على براءة الرحم في الظاهر، والحمل دليل على شغل الرحم قطعاً، فيسقط الظاهر بالقطع.
فتتحول من اعتدت بالأقراء أو الأشهر إلى وضع الحمل إذا ظهر بها الحمل، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة.
وإذا طلقت المرأة التي كانت تحيض ، فحاضت مرة أو مرتين ، ثم أيست ، انتقلت عدتها من الحيض إلى الأشهر، {ولا تعتد بالأشهر عند الحنفية إلا بعد بلوغها سن اليأس (وهو ٥٥ سنة)، فإذا بلغت سن اليأس ، استأنفت العدة بالأشهر الثلاثة التي هي عدة الآيسة .
وقال المالكية والحنابلة : تعتد سنة ، تسعة أشهر منها من وقت الطلاق تنتظر فيها لتعلم براءة رحمها؛ لأن هذه المدة هي غالب مدة الحمل ، ثم تعتد بعد ذلك عدة الآيسات : ثلاثة أشهر ، عملاً بقول عمر رضي الله عنه ، وهذا هو المعقول ، دفعاً للحرج والمشقة .
وقال الشافعية في الجديد كالحنفية : تكون في عدة أبداً حتى تحيض أو تبلغ سن الإياس، فتعتد حينئذ بثلاثة أشهر؛ لأن الاعتداد بالأشهر جعل بعد الإياس، فلم يجز قبله، وهذه ليست آيسة، ولأنها ترجو عود الدم ، فلم تعتد بالشهور، كما لو تباعد حيضها لعارض}.
قال ابنُ العربي رحمه الله تعالى: (فمن انقطعَ حَيضُها، وهي تَقرُبُ مِن حَدِّ الاحتمالِ؛ فواجِبٌ عليها العِدَّةُ بالأشهُرِ بهذه الآيةِ، ومن ارتفَعَت عن حَدِّ الاحتمالِ وجَبَ عليها الاعتِدادُ بالأشهُرِ بالإجماعِ).
وقال القرطبي رحمه الله تعالى: (المسِنَّةُ إذا اعتَدَّت بالدَّمِ ثمَّ ارتفع ، عادت إلى الأشهُرِ، وهذا إجماعٌ).
3- الانتقال إلى عدة وفاة: إذا مات الرجل في أثناء عدة زوجته التي طلقها طلاقاً رجعياً ، انتقلت بالإجماع من عدتها بالأقراء أو الأشهر إلى عدة وفاة وترثه إذا مات قبل انقضاء عدتها بلا خلاف ، سواء أكان الطلاق في حال المرض أم في حال الصحة ؛ لبقاء الزوجية حكماً ، فتكون سبباً لاستحقاق الإرث من الجانبين (تستأنف عدة الوفاة من حين موته، وهي أربعة أشهر وعشرة أيام أو بوضع الحمل إن كانت حاملاً)، سواء أكان الطلاق في حال الصحة أم في حال مرض الموت؛ لأن المطلقة رجعياً تعد زوجة ما دامت في العدة ، وموت الزوج يوجب على زوجته عدة الوفاة ، فتلغو أحكام الرجعة ، وسقطت بقية عدة الطلاق، فتسقط نفقتها، وتثبت أحكام عدة الوفاة من إحداد وغيره .
قال ابنُ المنذر رحمه الله تعالى : ( أجمَعَ كُلُّ مَن نحفَظُ عنه مِن أهلِ العِلمِ على أنَّ مَن طَلَّق زوجتَه طَلاقًا يملِكُ رَجعَتَها ، ثمَّ تُوفِّيَ قبل انقِضاءِ عِدَّةِ المرأةِ: أنَّ عليها عِدَّةَ الوفاةِ ). وقال ابنُ قدامة رحمه الله تعالى : ( إذا مات زوجُ الرَّجعيَّةِ استأنفت عِدَّةَ الوفاةِ ؛ أربَعةَ أشهُرٍ وعَشرًا ، بلا خِلافٍ ) .
أما إن مات الرجل في أثناء عدة زوجته من طلاق بائن، فلا تنتقل إلى عدة الوفاة ، بل تتم عدة الطلاق البائن ؛ لأنها ليست بزوجة، فتكمل عدة الطلاق، ولا حداد عليها ، ولها النفقة إن كانت حاملاً، ولا تتحول عدة البائن، إلا في طلاق الفار على تفصيل. فإن كان الطلاق بائناً أو ثلاثاً في حال الصحة ، فمات أحد الزوجين في العدة لم يرثه الآخر .
وإن كان الطلاق بائناً أو ثلاثاً في حال المرض ، فإن كان برضاها لا ترث بالإجماع، وإن كان بغير رضاها فإنها ترث من زوجها عند الجمهور عملاً بما روي عن جماعة من الصحابة مثل عمر وعثمان وعلي وعائشة وأبي بن كعب، ومعاملة للمطلّق بنقيض مقصوده، وهذا هو طلاق الفرار. ولا ترث عند الشافعية، لزوال النكاح بالإبانة أو الثلاث ، فلا يثبت الإرث.
العدة بأبعد الأجلين
١ ـ عدة طلاق الفارّ :
للفقهاء مذهبان :
1- مذهب أبي حنيفة ومحمد وأحمد : إن كان الطلاق فراراً من إرث الزوجة بأن طلق في مرض الموت بقصد حرمانها من الميراث ، ثم مات وهي في العدة ، فإنها تنتقل من عدة الطلاق ، إلى العدة بأبعد الأجلين من عدة الوفاة وعدة الطلاق احتياطاً ، بأن تتربص أربعة أشهر وعشراً من وقت الموت ، فإن لم تر فيها حيضاً تعتد بعدها بثلاث حيضات في رأي الحنفية والحنابلة .
وإن امتد طهرها تبقى عدتها حتى تبلغ سن اليأس ؛ لأن المرأة لما ورثت من زوجها ، اعتبر الزواج قائماً حكماً وقت الوفاة ، فتجب عليها عدة الوفاة ، وبما أن الطلاق بائن فلا تعد زوجيتها قائمة ، ولا تجب عليها عدة الوفاة ، وإنما عدة الطلاق ، فمراعاة لهذين الاعتبارين تتداخل العدتان ، وتعتد بهما معاً .
2- مذهب مالك والشافعي وأبي يوسف : أن زوجة الفارّ لا تعتد بأطول الأجلين من عدة الوفاة أو ثلاثة قروء ، وإنما تكمل عدة الطلاق ؛ لأن زوجها مات وليست زوجة له ؛ لأنها بائن من النكاح ، فلا تكون منكوحة .
واعتبار الزواج قائماً وقت الوفاة في رأي مالك إنما هو في حق الإرث فقط ، لا في حق العدة ؛ لأن ما ثبت على خلاف الأصل لا يتوسع فيه .
يتصور اعتداد المرأة بأبعد الأجلين لدى الشافعية فيما لو طلق الرجل إحدى امرأتيه طلاقاً بائناً ، ومات قبل بيان أو تعيين المطلَّقة ، فإن كل واحدة تعتد بالأكثر من عدة وفاة وثلاثة من أقرائها؛ لأن كل واحدة وجب عليها عدة بالطلاق ، واشتبهت عليها بعدة أخرى بالوفاة ، فوجب أن تأتي بأبعد الأجلين لتخرج عما عليها بيقين ، كمن أشكلت عليه صلاة من صلاتين ، يلزمه أن يأتي بهما .
وتعتد المرأة بأقصى الأجلين عند المالكية كما بان في حالة الانتقال إلى عدة وفاة ، كأن يموت زوج الرجعية في عدتها .
٢ ـ المتوفى عنها زوجها إن كانت حاملاً تنقضي عدتها بوضع الحمل ، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة ، وذلك لعموم قول الله تعالى : ( وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) ، قال سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه ما أنزلت وأولات الأحمال إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها .
ولأن سُبَيعة الأسلَمِيَّة قُتِلَ زَوجُها وهي حُبلى ، فوَضَعَت بعد موتِه بأربعينَ ليلةً ، فخُطِبَت فأنكَحَها رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .
وذهب سيدنا عليٌّ وابنُ عباسٍ رضي الله عنهم إلى أنها تعتد بأبعد الأجلين ؛ عملًا بالآيتين معًا ، وهما قوله تعالى : ( وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) [الطلاق: 4]، وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) [البقرة: 234].
والمختار للفتوى هو قول جمهور الفقهاء أن عدة المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها تنقضي بوضع الحمل .
يقول ابن عبد البر رحمه الله تعالى : على أنه قد روي عن ابن عباس رجوعه إلى حديث أم سلمة في قصة سبيعة ، ومما يصحح هذا عنه أن أصحابه عكرمة وعطاء وطاوس وغيرهم على القول بأن المتوفى عنها الحامل عدتها أن تضع حملها على حديث سبيعة ، وكذلك سائر العلماء من الصحابة والتابعين وسائر أهل العلم أجمعين كلهم يقول : عدة الحامل المتوفى عنها أن تضع ما في بطنها من أجل حديث سبيعة هذا .
فقد وقع الاتفاق إذن بعد الصحابة على أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها تنتهي بوضع الحمل ولو بعد وقت يسير من وفاة زوجها .
يقول الإمام النووي رحمه الله : فأخذ بهذا جماهير العلماء من السلف والخلف فقالوا : عدة المتوفى عنها بوضع الحمل حتى لو وضعت بعد موت زوجها بلحظة قبل غسله انقضت عدتها وحلت في الحال للأزواج ، هذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد والعلماء كافة إلا رواية عن علي وابن عباس وسحنون المالكي : أن عدتها بأقصى الأجلين .