أم حرام بنت ملحان.. الصحابية التي بُشرت بالشهادة وتحققت في غزوة البحر

برزت أسماء نساء عظيمات في صفحات التاريخ الإسلامي، كان لهن أثر واضح في دعم الإسلام ونصرته، ومن بين هؤلاء تبرز أم حرام بنت ملحان، الصحابية الجليلة التي جسدت الإيمان العميق والشجاعة النادرة. لم تكن حياتها مجرد قصة عادية، بل كانت رحلة ملهمة مليئة باليقين بوعد الله ورسوله ﷺ.
وقد اختصها النبي ﷺ ببشارة عظيمة بأنها ستكون من غزاة البحر، فكان لها هذا الشرف حين شاركت في أول غزوة بحرية للمسلمين، وختمت حياتها بالشهادة في سبيل الله.
من هي أم حرام بنت ملحان؟
هي أم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد الأنصارية، تنتمي إلى بني النجار، وهم أخوال النبي ﷺ. وهي أخت أم سليم، والدة الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كانت أم حرام من أوائل من دخلوا الإسلام في المدينة المنورة، وتميزت بإيمانها القوي وولائها العميق لدين الله. لم تكتفِ بالإيمان القلبي فقط، بل شاركت بفعالية في نصرة الإسلام ودعم الدعوة منذ بداياتها.
مكانتها عند النبي ﷺ
حظيت أم حرام بمكانة خاصة لدى النبي ﷺ، فكان يزورها ويستريح في بيتها من حين لآخر، وهذا يدل على تقديره لها ومكانتها الرفيعة.
وذات يوم، بينما كان النبي ﷺ نائمًا في بيتها، استيقظ مبتسمًا. فسألته عن سبب ابتسامه، فقال:
"عرض عليّ ناس من أمتي يركبون ثبج هذا البحر ملوكًا على الأسرة – أو مثل الملوك على الأسرة."
فتشوقت أم حرام لهذه البشارة، وقالت: "يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم." فاستجاب لها النبي ﷺ ودعا أن تكون من غزاة البحر.
تحقيق البشارة.. غزوة البحر
تحققت بشارة النبي ﷺ في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، عندما أذن لمعاوية بن أبي سفيان بتجهيز أول أسطول بحري في الإسلام، لمواجهة الإمبراطورية البيزنطية وغزو جزيرة قبرص.
ورغم تقدمها في العمر، لم تتردد أم حرام في الانضمام إلى هذا الجيش العظيم، مدفوعة بإيمانها العميق وشوقها لتحقيق دعوة النبي ﷺ.
وأثناء وجودها في قبرص، شاء الله أن تحقق حلمها وتنال الشهادة كما بُشرت، إذ سقطت عن دابتها وتوفيت على الفور، لتكون أول شهيدة في غزوات البحر، تاركةً خلفها إرثًا خالدًا من التضحية والإيمان.
لماذا أرادت أم حرام غزو البحر؟
لم يكن طلب أم حرام المشاركة في غزوة البحر مجرد رغبة عابرة، بل كان انعكاسًا لإيمانها العميق وشغفها بالعمل الصالح.
رأت في دعوة النبي ﷺ فرصة عظيمة لبلوغ منزلة رفيعة عند الله، فسعت لتحقيق هذا الشرف دون تردد، مؤمنة بأن وعد الله ورسوله حق.
ضريح أم حرام.. شاهد على الإيمان والتضحية
ما زال ضريح أم حرام قائمًا إلى اليوم في جزيرة قبرص، ويُعرف باسم "ضريح المرأة الصالحة" أو "مقام خالة أنس". ويظل هذا الضريح شاهدًا حيًا على تضحيات الصحابة وسعيهم لنشر الإسلام خارج الجزيرة العربية.
دروس وعبر من حياة أم حرام بنت ملحان
١.الثقة بوعد الله: أظهرت أم حرام يقينًا تامًا بوعد الله ورسوله ﷺ، مما دفعها للسعي لتحقيق ما بشرت به حتى تحقق لها.
٢.مكانة المرأة في الإسلام: تؤكد قصتها الدور الفاعل للمرأة المسلمة في الجهاد ونصرة الإسلام، وأن مكانتها تتجاوز حدود المنزل إلى ساحات العمل والتضحية.
٣.تحقيق الأحلام العظيمة: رغم كبر سنها، لم يمنعها ذلك من السعي لتحقيق حلمها بالمشاركة في غزوة البحر، مما يثبت أن العزيمة الحقيقية لا تعترف بالعمر.
٤.الإقدام والتضحية: قدمت أم حرام مثالًا حيًا على التضحية في سبيل الله، فقدمت نفسها بكل إخلاص لنصرة الإسلام دون خوف أو تردد.
أم حرام بنت ملحان.. نموذج للمرأة المؤمنة
كانت أم حرام رضي الله عنها مثالًا رائعًا للمرأة المؤمنة ذات العزيمة القوية والإيمان العميق. لم يكن عمرها أو مشقة الطريق عائقًا أمام سعيها لتحقيق أعلى الغايات، بل كانت حياتها قصة ملهمة للتضحية والجهاد والطموح لنيل رضا الله والجنة.
تبقى سيرتها علامة مضيئة تلهم الأجيال بأن الإيمان والعمل الصالح هما مفتاحا النجاح في الدنيا والآخرة، وأن اليقين بوعد الله هو السبيل لتحقيق الأحلام العظيمة