خبراء: ضعف الاقتصاد الاوربي يمنح امريكا اليد العليا في المفاوضات

قبل انتهاء المهلة التي حددها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعادة النظر في الاتفاقات التجارية بشأن الرسوم الجمركية، تعثرت مفاوضات التوصل إلى اتفاق تجاري جديد بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهذا التعثر يثير تساؤلات كثيرة حول مصير العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، فهل يعود إلى سياسات الحماية وفرض الرسوم الجمركية المتبادلة، ما قد يعمق التوترات التجارية بين الجانبين ويؤثر على الأسواق العالمية في وقت يواجه فيه الاقتصاد العالمي تحديات كثيرة.
في هذا الشأن تحدث في تصريحات خاصة لنيوز رووم كلا من الدكتورة حنان رمسيس الخبيرة الاقتصادية ، والدكتور مصطفى أبو زيد، الخبير الاقتصادي ومدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية.
حنان رمسيس: واشنطن تستغل ضعف أوروبا لفرض شروطها التجارية
قالت الدكتورة حنان رمسيس، الخبيرة الاقتصادية، إن تعثر المفاوضات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بشأن الرسوم الجمركية يعود بشكل رئيسي إلى رغبة واشنطن في حماية مصالحها الاقتصادية، كما صرّح بذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبر اتباع سياسات حمائية تمثلت في فرض جمارك مرتفعة، إلى جانب فرض عقوبات اقتصادية على بعض دول الاتحاد الأوروبي.
وفي تصريحات خاصة لـ"نيوز رووم"، أوضحت "رمسيس" أن هذه السياسات تتزامن مع ضعف اقتصادي يضرب الاتحاد الأوروبي نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تعاني دول التكتل من تراجع إمدادات الطاقة، وتعطل سلاسل التوريد، وزيادة الأعباء المالية الناجمة عن دعم أوكرانيا.
كما أشارت إلى أن نفاد المواد الخام وعدم استقرار أسعار الطاقة أثّرا سلبًا على قطاع الصناعة في أوروبا، ما أفقد الاتحاد قدرته على اتخاذ قرارات اقتصادية مستقلة، ومكّن الولايات المتحدة من فرض شروطها التجارية عليه، مستغلة الوضع الهش للاتحاد.
أوروبا تتمسك باليورو.. ولكن!
وحول موقف الاتحاد الأوروبي، أكدت "رمسيس" أن التكتل الأوروبي يحاول تعزيز موقفه من خلال الاعتماد على قوة عملة اليورو، بهدف الحفاظ على توازنه أمام سلة العملات العالمية، وخاصة الدولار الأمريكي.
لكنها أوضحت أن هذه القوة لا تعكس بالضرورة قوة اقتصادية فعلية، بل ترتبط بشكل مباشر بـ"ضعف الدولار"، والذي تراجع إلى أدنى مستوياته منذ عام 1973، نتيجة السياسات الحمائية الأمريكية.
أمريكا ترفض المنافسين وتلوّح بالعقوبات
وفي تحليلاتها للسياسات الأمريكية، اعتبرت "رمسيس" أن واشنطن، لا سيما في عهد ترامب، ترفض بروز أي منافس اقتصادي محتمل، سواء كان من أوروبا أو الصين أو حتى تكتلات مثل مجموعة "بريكس"، موضحة أن الولايات المتحدة تسعى إلى فرض نفوذها الاقتصادي العالمي من خلال أدوات غير تقليدية، منها فرض الرسوم الجمركية، والعقوبات، والتحكّم في مفاتيح التجارة العالمية، بدلًا من ربط الدولار بالذهب أو النفط كما في الماضي.
وأشارت إلى أن أي محاولة من الدول الأخرى لإنشاء تحالفات اقتصادية مستقلة قد تقابلها واشنطن بردود اقتصادية صارمة، مثلما حدث مع إيران، أو من خلال الضغط على روسيا والصين داخل مسارات بديلة مثل بنك تنمية بريكس.
مهلة 9 يوليو.. اختبار حاسم للموقف الأوروبي
واختتمت "رمسيس" تصريحاتها بالإشارة إلى أن المهلة المحددة من الجانب الأمريكي حتى 9 يوليو الجاري تمثل اختبارًا حاسمًا لمصير العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، موضحة أن عدم إحراز تقدم في المفاوضات قد يؤدي إلى فرض رسوم جمركية جديدة، تشمل سلعًا إضافية، وبنسب أعلى من المتوقع، ما سيؤثر سلبًا على الصناعات الأوروبية المصدّرة.
وأكدت أن تمديد المهلة سيكون مرهونًا بمدى تجاوب الاتحاد الأوروبي مع الشروط الأمريكية، أما في حال استمرار موقفه الرافض، فستُفرض الرسوم مباشرة بعد انتهاء المهلة، وقد يتصاعد النزاع التجاري بين الجانبين في وقت حساس تمر فيه العلاقات الدولية بتغيرات حادة.
أبو زيد: العجز التجاري يدفع أمريكا للضغط على أوروبا في المفاوضات الجمركية
قال الدكتور مصطفى أبو زيد، الخبير الاقتصادي ومدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن تعثر التوصل إلى اتفاق تجاري في المفاوضات الأوروبية الأمريكية بشأن الرسوم الجمركية يرجع إلى تمسك كل طرف بمطالبه، وحرص كل جانب على حماية مكتسبات اقتصاده الوطني، دون تقديم تنازلات، وأوضح أن الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري مع الاتحاد الأوروبي يبلغ نحو 250 مليار دولار، وتسعى إلى تقليص هذا العجز من خلال زيادة صادراتها إلى أوروبا، وتشجيع الاستثمارات الأوروبية المباشرة داخل الولايات المتحدة، لذلك تمارس ضغوطا مكثفة على الاتحاد الأوروبي لتحقيق هذا الهدف.
المواجهات تعرقل سير المفاوضات بين الجانبين
وأضاف أبو زيد في تصريحات خاصة لنيوز رووم، أن التلويح الأخير من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية تصل إلى 50% على واردات الولايات المتحدة من الاتحاد الأوروبي، دفع الاتحاد الاوربي إلى اتخاذ إجراءات مضادة، من بينها فرض رسوم انتقامية بقيمة 95 مليار يورو على الصادرات الأمريكية، وأشار إلى أن هذه المواجهات تعرقل سير المفاوضات بين الجانبين، حيث يتمسك كل طرف بموقفه، ويسعى إلى فرض شروطه على الآخر، ما يعمق الخلافات ويزيد من تعقيد الموقف.
الاتحاد الأوروبي عاني من ضغوط اقتصادية تدفعه إلى تسريع وتيرة الاستثمارات
ولفت الخبير الاقتصادي ، إلى أن الولايات المتحدة طلبت في المفاوضات الأخيرة من الاتحاد الأوروبي زيادة وارداته من السلع الأمريكية، لا سيما الغاز الطبيعي المسال والمنتجات التكنولوجية، بينما حاول الاتحاد الأوروبي التفاوض على تخفيضات محددة في الرسوم الجمركية، إلا أن واشنطن رفضت ذلك، في وقت يعاني فيه الاتحاد الأوروبي من ضغوط اقتصادية تدفعه إلى تسريع وتيرة الاستثمارات، وأن مسودة المفاوضات حتى الآن لم توضح بشكل دقيق النقاط الخلافية، في حين تصدر عن الطرفين تصريحات عامة فقط تشير إلى بطء وتيرة المحادثات، واحتياجها إلى مزيد من الوقت للوصول إلى تفاهمات.
الرئيس الأمريكي منح مهلة نهائية قبل تنفيذ الرسوم الجمركية
وأكد أبو زيد أن الرئيس الأمريكي منح مهلة نهائية قبل تنفيذ الرسوم الجمركية، وتنتهي هذه المهلة في 9 يوليو الجاري، أي خلال أربعة أيام فقط، وهو ما سيدفع الولايات المتحدة إلى تصعيد ضغوطها على الاتحاد الأوروبي لدفعه إلى تقديم تنازلات تمكن من التوصل إلى نقطة اتفاق قبل بدء تطبيق الرسوم المعلنة، والتي تبلغ 50% على صادرات الاتحاد الأوروبي، في حينيحاول الاتحاد الاوربي خفض هذه النسبة إلى 20% فقط، وشدد في ختام تصريحاته على أن أكثر القطاعات التي ستتأثر بفرض الرسوم الأمريكية هي قطاعا الحديد والصلب والسيارات.