"حكماء المسلمين" يدين تصريحات الاحتلال بشأن "فرض السِّيادة" على الضفة الغربية

يدين مجلس حكماء المسلمين برئاسة فضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بشدة، تصريحات ياريف ليفين، وزير العدل بحكومة الاحتلال الإسرائيلي بشأن فرض سيادة الاحتلال الإسرائيلي على الضِّفة الغربية المحتلة.
ويؤكِّد مجلس حكماء المسلمين رفضه القاطع لمثل هذه التصريحات الاستفزازيَّة وكافة الإجراءات التي تستهدف تغيير الوضع التاريخي والقانوني في الأرض الفلسطينيَّة المحتلة، التي تمثل تصعيدًا خطيرًا وانتهاكًا صارخًا لقرارات الشرعيَّة الدوليَّة، محذرًا من أن مثل هذه الممارسات تهدِّد بمزيد من التصعيد الخطير وتعيق جهود تحقيق السلام والاستقرار بالمنطقة.
ويجدِّد مجلس حكماء المسلمين دعوته إلى المجتمع الدولي إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للوقف الفوري للعدوان على قطاع غزة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية للمدنيين الأبرياء دون عوائق، مؤكدًا موقفه الداعم لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
الأزهر يحذر من تسارع ضمها وتراجع الردع الدولي
قدم مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، قراءة في تحولات المشهد بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال في ظل التدهور المتسارع للمشهد الإقليمي، تكشف التصريحات الصهيونية المتواترة والدعوات المتجددة لضم الضفة الغربية عن تحول نوعي خطير في بنية العقل السياسي الصهيوني. هذا التحول لا يقتصر على الاحــ تلال العسكري، بل يتجه نحو شرعنة الضم الكامل للأراضي الفلسطينية، مدفوعًا بأيديولوجية توسعية تزداد تطرفًا وتهدد بتقويض أي فرص للسلام والاستقرار في المنطقة.
ولفت إلى أن هذا المسار لا يكشف عن نزعة استيطانية متأصلة فحسب، بل يؤكد تخليه الصريح عن أي التزام بالقانون الدولي، ويُجسد قناعة راسخة بأن الفراغ الإقليمي والتواطؤ الدولي كفيلان بترسيخ الاحتلال كواقع قانوني دائم.
وتكمن الخطورة الحقيقية لهذه التحولات لا في ممارسات الاحتلال وحدها، بل في ارتداداتها الزلزالية على صلب النظام الدولي؛ فالسماح بتمرير هذه السياسات دون ردع يُجرّد المؤسسات الدولية من آخر بقايا شرعيتها الأخلاقية، ويُرسل رسالة مُرعبة للعالم بأن "القوة وحدها هي من تصنع الحق".
بالتالي، لا يمكن اعتبار ما يحدث مجرد أزمة عابرة في الأراضي المحتلة، بل هو لحظة تاريخية فارقة تُعيد تعريف العدالة الدولية، وتفرض على الكيانات السياسية العربية، خيارًا حاسمًا بين الاستمرار في الدبلوماسية التقليدية أو ابتكار استراتيجية مقاومة شاملة، تستخدم مختلف الأدوات الممكنة لوقف تقدم المشروع الصـ هـ يوني قبل أن يُجهز على الحق الفلسطيني.
التحول في تعريف القضية الفلسطينية
فالمشهد الحالي ليس مجرد تصعيد سياسي، أو عسكري، أو مناورة خطابية من جانب حكومة الاحتلال، بل هو تدشين لمرحلة جديدة من مشروع إحلالي يسعى إلى تفكيك القضية الفلسطينية من جذورها، وتحويلها من قضية تحرر وطني إلى أزمة داخلية يعاد تعريفها وفق منطق القوة الغاشمة
ومن المفارقة، أنه في الوقت الذي يئن فيه قطاع غزة تحت نيران العدوان، يهرع الاحتلال ليطلق دعواته بضم الضفة الغربية، وكأنه يقرأ في صمت العالم تفويضًا ضمنيًا بتوسيع رقعة الاحتلال.
مسارات التحول في القضية الفلسطينية
1️⃣ تغير طبيعة الصراع
لم يعد الصراع مجرد نزاع حدودي أو صدام على نقاط تماس، بل تحول إلى معركة وجودية ترتكز على ثلاثة اتجاهات:
- جيوسياسيًا: يستهدف عمق أرض فلسطين عبر تفتيت ما تبقى منها.
- ديموغرافيًا: يرمي إلى طمس الهوية الفلسطينية من خلال تكثيف الاستيطان والدفع نحو التهجير القسري.
- رمزيًا: تكثيف الحملات الإعلامية الصهيونية والداعمة للكيان لفرض سرديتها القائمة على فكرة "المظلومية"، و"الواصي الشرعي" على "أرض متنازع عليها".
2️⃣ الموقف العربي وتحديات الردع
في خضم الصمت الدولي المريب، يبرز الموقف المصري بوصفه صوتًا عاقلاً ومسؤولاً في مواجهة الانفلات السياسي الذي تمارسه حكومة الاحـ تلال. فقد أعلنت القاهرة رفضها الواضح لمخططات الضم وتهديد وحدة الأراضي الفلسطينية، ليس فقط عبر بيانات الإدانة، بل من خلال حراك دبلوماسي فعّال يستند إلى إرث تاريخي من دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
هذا الموقف المصري، الذي يتصف بالحكمة والاتزان، يُعد بادرة استراتيجية مهمة تعكس إدراكًا عميقًا لخطورة اللحظة، وتُعيد التأكيد على ثوابت السياسة المصرية تجاه القضية الفلسطينية كقضية تحرر لا تقبل المساومة.
ورغم تفاوت المواقف العربية في حدّتها، فإن مصر، ومعها الأردن، تتحملان العبء الأكبر في الدفاع عن مبدأ حل الدولتين وصيانة ما تبقى من شرعية القانون الدولي في وجه مشاريع التفكيك والضم القسري.
3️⃣ المجتمع الدولي وإعادة تموضع استراتيجي
أما الصمت الغربي، لا سيما من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يتجاوز كونه تواطؤاً أو دعمًا، بل هو جزء من إعادة تموضع استراتيجي. يرى هذا التموضع في بقاء إسـ ـرائيل قوية ومتمددة ضمانة للاستقرار المؤقت في الشرق الأوسط، حتى لو كان ذلك على حساب شعب فلسطين بأكمله. والأخطر من ذلك هو تحييد المنظومة الأممية، وفي مقدمتها مجلس الأمن، عن أداء دورها الرادع، الأمر الذي ينذر بسقوط مبدأ "القانون فوق القوة" لصالح منطق الغلبة والتحصين السياسي للاحـ ـتلال.
السيناريوهات المستقبلية المحتملة
في حال لم يتم التصدي الجاد لمحاولات الضم، فإن المشهد قد يتجه نحو أحد المسارات التالية:
- شرعنة الضم التدريجي، عبر خطوات تشريعية داخل الكنيست وتثبيت أمر واقع ميداني.
- عودة الانتفاضة الشعبية الواسعة، وتوسع المواجهة الفلسطينية، خاصة في ظل الانهيار الاقتصادي والمعيشي بالضفة الغربية.
- انهيار السلطة الفلسطينية، في حال سحب صلاحياتها عمليًا، مما سيخلق فراغًا أمنيًا تدفع المنطقة كلها ثمنه.
- ردود عربية متصاعدة تتجاوز الإجراءات البروتوكولية والدبلوماسية إلى تدابير أكثر حدة في حال تصاعد الضغوط الشعبية.
ما استعرضناه، يؤكد أننا أمام لحظة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية؛ قد تكون نقطة الانكسار الكبرى، أو لحظة يقظة كبرى تعيد بعث المشروع الفلسطيني كقضية تحرر عالمي، يصاحبها ضرورة ملحة للحفاظ على ما تبقى من أسس القانون الدولي. إن مبادئ التحرر تقتضي استجابة دولية وعربية استثنائية تتجاوز الإدانة اللفظية إلى فعل رادع شامل، يُعيد الاعتبار للحقوق المشروعة ويصون ما تبقى من أمل في سلام عادل ودائم.