الإهمال يحاصر شبرا الخيمة.. مدينة صناعية تتحول إلى وكر للفوضى والعشوائية

تحولت مدينة شبرا الخيمة، إحدى كبريات مدن محافظة القليوبية وأكثرها كثافة سكانية، إلى صورة مأساوية تعكس انهيار الخدمات وتفشي الإهمال، في وقت كان يُفترض أن تكون فيه نموذجًا حضاريًا باعتبارها بوابة الدلتا الشمالية وقِبلة لآلاف العاملين بالعاصمة.
فبدلًا من أن تعكس مكانتها التاريخية كمنطقة صناعية بارزة ومنطقة عبور استراتيجية تربط القاهرة بالمحافظات، أصبحت تعاني من تراكم القمامة، وانتشار المتسولين، وتحول الشوارع إلى بؤر عشوائية تهدد الأرواح.
ففي ميدان المؤسسة، الذي يُعد قلب المدينة ونقطة تواصل بين شبرا الخيمة والعاصمة، يواجه المواطنون مشهدًا عبثيًا، إذ تحوّل المكان إلى مقلب كبير للقمامة، وسط غياب تام لشركات النظافة، وأصبح مرتعًا للمتشردين والمتسكعين، في ظل غياب رقابة تامة من الأحياء المعنية.
وعلى مقربة من هناك، يشهد محيط محطة مترو كلية الزراعة حالة غير مسبوقة من الفوضى، حيث تنتشر مواقف سيارات السرفيس العشوائية دون تنظيم، بينما يحتل الباعة الجائلون الأرصفة، ويضطر المارة لعبور الطرق وسط الزحام والمخاطر، في مشهد يومي بات معتادًا رغم خطورته.
وتتضاعف المأساة عند منزل كوبري عرابي، حيث تنتشر كبائن كهرباء مفتوحة بشكل يهدد حياة المواطنين، وتُركت قواعد أسوار حديدية تم إزالتها سابقًا دون معالجة، لتتحول إلى مصائد حديدية تُعرض حياة الأطفال وكبار السن للخطر، خصوصًا في المساء. وتغيب كذلك الصيانة تمامًا عن أنفاق وكباري عبور المشاة، التي كان يفترض أن تكون ملاذًا آمنًا للمواطنين، إلا أنها أصبحت مرتعًا للباعة والمتسولين والمشردين، بل تحولت بعض تلك الأنفاق إلى أسواق عشوائية مغلقة ليلًا ومفتوحة للخارجين عن القانون، فيما تعرضت بعض الكباري للاحتراق أكثر من مرة دون ترميم حقيقي، ما زاد من تدهور حالتها وساهم في إحجام المواطنين عن استخدامها.
ولا تقتصر المأساة على العشوائية والتكدس فقط، بل تتجسد الكارثة في مشاهد الكابلات الكهربائية المكشوفة التي تملأ الشوارع وتظهر فوق سطح الأرض دون تغطية أو حماية، ما ينذر بحدوث كارثة كهربائية في أي لحظة، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء. وتزداد الخطورة مع انتشار القمامة حول محولات الكهرباء وكبائن الغاز، ما يهدد بوقوع حرائق وانفجارات في حال حدوث تماس أو إهمال بشري.
وتعاني شوارع شبرا الخيمة من فوضى مرورية خانقة، حيث تتزاحم المركبات في ظل غياب التنظيم المروري، وتنتشر الحفر والمطبات العشوائية في أغلب الطرق، ما يجعل من الحوادث أمرًا شبه يومي، خاصة في المناطق المزدحمة كالترعة البولاقية وبهتيم والمؤسسة. وتسببت الفوضى المرورية خلال الفترة الأخيرة في عدد من الحوادث المأساوية، أبرزها دهس أمين شرطة خلال عبوره الطريق بالقرب من محطة المترو، وحادث مؤلم لطفلة لقيت مصرعها أمام منزلها نتيجة تصرف متهور من أحد السائقين، إلى جانب حوادث تصادم بين مركبات مختلفة أسفرت عن إصابات متفرقة، بعضها في صفوف الطلاب.
ولا تغيب الجرائم الجنائية والاجتماعية عن مشهد الفوضى، إذ شهدت شبرا الخيمة خلال السنوات الأخيرة عدة قضايا أثارت الرأي العام، منها وقائع اختطاف واعتداء على فتيات، أبرزها واقعة فتاة التوك توك التي صدمت المجتمع المحلي، إلى جانب قضايا تزوير داخل وحدات سكنية، وضبط شبكات لترويج المواد المخدرة في مناطق مثل عزبة عثمان والمنشية، فضلًا عن جرائم قتل داخل العيادات ومنازل الأهالي، وانتحار شباب بسبب الأوضاع الاجتماعية الصعبة، مما جعل المدينة تصنف ضمن أكثر مناطق القليوبية اضطرابًا من حيث الأمن المجتمعي.
ورغم كل تلك الأزمات، لا يزال الغياب هو العنوان الأبرز لأداء المسئولين، حيث يتساءل المواطنون: أين دور رئيس المدينة؟ وأين مسئولو حي شرق وغرب شبرا الخيمة؟ ولماذا غابت المتابعة؟ وكيف فشلت شركات النظافة في أبسط مهامها؟ ولماذا يُترك المواطن فريسة للإهمال والموت البطيء دون تدخل فاعل؟.
شبرا الخيمة اليوم لا تحتاج فقط إلى خطة تطوير، بل إلى تدخل عاجل على كافة المستويات السياسية والتنفيذية لإنقاذ ما تبقى من المدينة التي كانت يومًا ما، رمزًا للصناعة والنشاط، وتحولت بفعل الإهمال إلى كابوس يطارد أهلها ليل نهار.