عاجل

الاختراق الصامت.. كيف تبني أمريكا شبكات تجسس تخترق الخصوم والحلفاء؟

التجسس السيبرانى
التجسس السيبرانى

في الوقت الذي تُخاض فيه الحروب بالصواريخ والطائرات المسيّرة، هناك حربٌ أكثر هدوءًا، لا يسمعها أحد، ولا يُرى ضحاياه؛ إنها حرب الاختراق الإلكتروني والتجسس السيبراني.

وتأتى الولايات المتحدة، على رأس القوى العالمية، إذ تدير منذ عقود شبكة تجسس عالمية معقدة تخترق الخصوم والحلفاء على حدٍ سواء، باستخدام أدوات رقمية متطورة، وأجهزة تجسس لا تُكتشف، وبرمجيات تزرع في عمق شبكات الاتصالات والبنية التحتية للدول.

الرقمنة أداة اختراق

التكنولوجيا التي بشّرت العالم بعصر من الراحة والاتصال، أصبحت أيضًا أداة اختراق شاملة. فمنذ أن كشفت تسريبات إدوارد سنودن في 2013 حجم برامج التجسس الأمريكية مثل PRISM، بات من المؤكد أن واشنطن لا تراقب خصومها فقط، بل حتى أقرب حلفائها.

وفقًا لتقارير استخباراتية غربية، تقوم وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) باختراق شبكات الاتصال في أكثر من 100 دولة، باستخدام أدوات مثل "XKEYSCORE" التي تتيح جمع بيانات إلكترونية ضخمة، من البريد الإلكتروني إلى المحادثات الصوتية وحتى كاميرات الهواتف.

تصعيد سيبراني

من أبرز الدول التي تستهدفها برامج الاختراق الأمريكية، إيران. فبعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، شهدت الساحة السيبرانية تصعيدًا غير مسبوق.

تقول تقارير حديثة صادرة عن شركات أمن سيبراني مثل "Palo Alto وCrowdStrike" إن أنظمة إيرانية حيوية تم اختراقها عبر برامج خبيثة متطورة، بعضها يعطل الأجهزة بصمت، وبعضها يسرّب البيانات على مراحل دون أن يُكتشف.

وفي المقابل، طوّرت طهران وحدات هجومية نشطة، أشهرها "APT33 وCharming Kitten"، استهدفت شركات طيران أمريكية ومؤسسات تعليمية وخدمات مالية، باستخدام تقنيات تصيّد احتيالي معقدة ورسائل بريدية معدّة بعناية.

مراقبة الحلفاء

ومن الغريب أن برامج التجسس الأمريكية لا تقتصر على الخصوم فقط. فقد أظهرت وثائق أن واشنطن تنصتت على اتصالات المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، ومسؤولين كبار في الاتحاد الأوروبي.

التبرير الرسمي هو "حماية الأمن القومي"، ولكن بعض المحللين يرون في ذلك ممارسة لسياسة الهيمنة الرقمية، لضمان أن تبقى أمريكا متقدمة في جمع المعلومة، وهي السلاح الأهم في كل صراع.

الذكاء الاصطناعي يغير قواعد اللعبة

مع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي، أصبحت القدرة على تحليل البيانات أسرع، والهجمات أكثر ذكاءً.

اليوم، تعتمد الوكالات الأمريكية على تقنيات "AI" لتصفية ملايين البيانات التي تجمعها من الشبكات العالمية، وتتوقع التحركات الإلكترونية "العدائية" قبل أن تقع.

كما يُستخدم الذكاء الاصطناعي في تصنيع برمجيات خبيثة تستطيع التكيّف مع نظام الضحية وتغيير سلوكها داخل الجهاز، بما يجعل اكتشافها شبه مستحيل.

التصعيد الحالي... والحرب الخفية

مع تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران في الأشهر الأخيرة، دخلت الحرب السيبرانية مرحلة جديدة.

فوفقًا لتقارير نشرتها وكالات متخصصة مثل "Cybersecurity Dive"، فإن الولايات المتحدة تتخوّف من أن تكون بنيتها التحتية – من محطات الكهرباء إلى المطارات – هدفًا لهجمات إلكترونية انتقامية.

الرد الأمريكي، كما تشير المؤشرات، لن يكون دفاعيًا فقط، بل هجوميًا واستباقيًا، أي أن الحرب السيبرانية لم تعد مجرد أداة ردع، بل أصبحت جبهة مستقلة تُخاض فيها معارك لا تقل تأثيرًا عن الجبهات العسكرية.

مستقبل الحروب

لم تعد القوة تُقاس بعدد الدبابات أو حاملات الطائرات فقط، بل بمن يتحكم في شبكة المعلومات.
ومن يمتلك مفاتيح التجسس الإلكتروني، يمتلك القدرة على توجيه السياسة، التأثير على الاقتصاد، وزعزعة استقرار الأنظمة من الداخل.

ولهذا، فإن مستقبل العلاقات الدولية قد يُرسم في الظل، داخل مراكز تحليل البيانات، وليس في قاعات الأمم المتحدة.

تم نسخ الرابط