ما بين الانقسامات والخيانة.. كيف يرى المحللون السوريون أحداث العنف في بلادهم؟

في إطار التصعيد المستمر للأزمة السورية التي تشهد يومًا بعد يوم تزايدًا في عدد الضحايا، تقدمت الولايات المتحدة وروسيا بطلب إلى مجلس الأمن الدولي لعقد اجتماع مغلق اليوم الاثنين، وذلك بهدف مناقشة تصاعد أعمال العنف في سوريا وفق ما نقله دبلوماسيون أمس الأحد.
ويأتي هذا التصعيد بعد استمرار أعمال العنف التي تتسع رقعتها بشكل ملحوظ بعد فترة من الهدوء النسبي، تزامنًا مع حملة أمنية مكثفة تشنها القوات المرتبطة بالنظام السوري الجديد ضد التمرد العلوي في محافظتي اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري.

وتشهد المناطق الساحلية السورية، بما في ذلك جبال اللاذقية، منذ بداية شهر مارس 2025، أعمال عنف متصاعدة، حيث أورد المرصد السوري لحقوق الإنسان تفاصيل عن عمليات تصفية طائفية ومناطقية أسفرت عن مقتل المئات من المدنيين، حيث تشير التقارير إلى أن القتلى من النساء والأطفال قد سقطوا نتيجة لانتهاكات جسيمة ارتكبتها قوات الأمن السورية.
ووصف الرئيس السوري أحمد الشرع، في حديثه أمس، ما يحدث في سوريا بـ "محاولات لزعزعة استقرار البلاد" مؤكدًا أن هذه الهجمات تهدف إلى إشعال فتنة جديدة قد تقود البلاد إلى حرب أهلية.
وأشار الشرع إلى تشكيل لجنة للتحقيق في أحداث الساحل السوري وتقديم المسؤولين إلى العدالة، مؤكدًا أنه سيتم تعزيز السلم الأهلي في المنطقة من خلال التواصل المباشر مع الأهالي في الساحل.

من جانبه علق الكاتب والباحث بسام السليمان، على الأحداث الأخيرة في سوريا، موضحا أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان أصدرت بيانًا تشير فيه إلى ارتفاع عدد القتلى إلى نحو 780 شخصًا.
وأضاف السليمان في تصريحات خاصة لموقع «نيوز رووم» أن الضحايا يتوزعون بشكل متقارب بين مختلف الأطراف، حيث قُتل نحو 400 شخص من فلول النظام، بينما سقط عدد مماثل من عناصر الأمن، مشيرا إلى أن فلول النظام سيطروا على بعض المناطق وارتكبوا انتهاكات ضد المدنيين، وأحيانًا اتهموا بعض العلويين بالخيانة بسبب تعاملهم مع الحكومة السورية.
وأكد السليمان أن هناك حالة تمرد عسكري أسفرت عن سقوط مئات القتلى من المدنيين وأفراد المعارضة، موضحا أن من حق الدولة السورية التصدي لهذه التهديدات رغم وجود أخطاء وتنفيذ انتهاكات من بعض المجموعات غير المنضبطة.

وأشار السليمان إلى دعم إيران والجماعات المسلحة في سوريا، بما في ذلك حزب الله اللبناني، مؤكدًا أهمية إدانة مجلس الأمن للعنف المرتكب من جميع الأطراف، داعيا إلى ضرورة فتح تحقيق شفاف من قبل حكومة دمشق لتعزيز السلم الأهلي.
واعتبر السليمان أن العنف الحالي هو استمرار لسياسات النظام السابق التي اعتمدت على مبدأ "الأسد أو نحرق البلد"، لافتًا إلى أن بعض الأطراف التي فقدت نفوذها السياسي والمالي تحاول الآن إثارة الفوضى والاقتتال الداخلي.
وأشار إلى أن بعض الشخصيات المطلوبة دوليًا التي ارتكبت جرائم ضد الشعب السوري تسعى لإجبار الدولة السورية على العفو عنها من خلال جر البلاد إلى حرب أهلية، وهو أمر وصفه بأنه مستحيل.

وتطرق السليمان إلى المجازر التي ارتكبتها فلول النظام في قرى الساحل السوري، مستهدفة المدنيين من السنة والعلويين على حد سواء، حيث قُتل العديد من المدنيين فقط بناءً على انتمائهم الطائفي أو حتى مكان تسجيل سياراتهم.
وتابع إن الشعب السوري بكل أطيافه يستحق حياة أفضل، داعيًا إلى تجاوز الانقسامات الطائفية وتعزيز الحوار الوطني كسبيل وحيد للخروج من هذه الأزمة، مشددًا على أن هناك أيادي خارجية لا تريد الخير لسوريا.
انقلاب تم استغلاله من قبل بعض الجهات
من جانبه قال تيسير النجار، رئيس الهيئة العامة السورية للاجئين، إن ما يحدث في الساحل السوري، انقلاب تم استغلاله من قبل بعض الجهات، بما في ذلك تمثيليات تهدف إلى تضليل الرأي العام.
وأشار النجار إلى أنه تم تجهيز فيديوهات مزيفة تعرض مشاهد قتل جماعي وعزاءات مزعومة، بهدف التأثير على المشاعر الإنسانية وإثارة التعاطف الدولي، وكيفية تحول مطالبات بعض الأسر في الساحل، التي كانت في البداية تدعو إلى إقامة دولة علوية، إلى مطالبات بالحماية الدولية.

وأوضح رئيس الهيئة العامة السورية للاجئين أن روسيا، التي كانت قد دعت إلى فتح صفحة جديدة مع الشعب السوري، أصبحت الآن تدعم هذه المجموعات، الأمر الذي يعزز موقفهم في ظل غياب العدالة الانتقالية، مشيرا إلى أن الأزمة السورية تمثل معاناة كبيرة بسبب ارتفاع عدد الضحايا وفقًا لبعض التقديرات غير الرسمية، إلى جانب المعتقلين والمغيبين.
وأكمل أنه على الرغم من أحداث العنف، فإن الإدارة الجديدة في سوريا قررت منح بعض الأفراد "السماح" بالعودة، وهو ما اعتبره البعض خطوة غير كافية، موضحا أن المجرمين الذين تم منحهم السماح استغلوا الوضع وبدأوا في التآمر على الإدارة الجديدة، ما أدى إلى محاولات انقلابية من قبل مجموعات كانت متمركزة مع النظام السابق.
وأضاف النجار أن بعض الجهات التي كانت مرتبطة بالنظام السابق، مثل "قسد" والأكراد في شمال شرق سوريا، بالإضافة إلى بعض الدروز الذين انقلبوا على التوافقات السابقة، كانوا جزءًا من هذا المخطط، مشيرا إلى أن حكمة الهجري، رئيس الطائفة الدرزية، قد توافق مع إسرائيل في وقت سابق، وهو ما يراه النجار بمثابة تحول في موقفه.
وأشار النجار إلى ما وصفه بتصفية عرقية في بعض المناطق السورية، حيث تم استهداف بعض العائلات والأطفال والنساء لمجرد أنهم ينتمون لطائفة معينة، موضحا أن هذه التصفية كانت جزءًا من محاولات لتأجيج حرب أهلية وتصعيد الوضع الطائفي.

وأكمل النجار أن المجتمع الدولي يجب أن يكون على دراية بهذه الأحداث وضرورة تقديم الحماية الدولية للسوريين، بدلًا من تصعيد مطالبات الانفصال الطائفي أو التوسع في فكرة إنشاء دولة علوية.
وتحدث النجار عن تحركات أمنية وحشود ضخمة تم تنظيمها في فترة قصيرة، حيث تم تجميع 500 ألف مقاتل في غضون أربع ساعات استعدادًا للتوجه نحو الساحل السوري.
وشددت الدوريات الأمنية الحصار على المنطقة لمنع أي تحركات غير منضبطة قد تؤدي إلى حدوث مشاكل، مشيرا إلى أن العديد من المناطق في حمص والسويداء والجنوب السوري تحت حراسة مشددة لمنع أي تدخلات غير مرغوب فيها.
وفيما يتعلق بجلسة مجلس الأمن، عبّر النجار عن عدم ثقته في أن يحقق المجلس العدالة للمتضررين في سوريا، خصوصًا مع وجود روسيا التي تدعم الانقلاب الحالي.
وقال إن روسيا لن تقف إلى جانب سوريا والشعب السوري في حال حدوث تدخل دولي، مضيفا أنه من غير المتوقع أن يمر أي قرار يدين الوضع الحالي، حيث كانت روسيا قد استخدمت حق النقض (الفيتو) في الماضي ضد قرارات تساهم في تقديم المساعدة الإنسانية للشعب السوري.
وأكد النجار أن الوضع في سوريا معقد للغاية، وأن المجتمع الدولي يجب أن يكون أكثر مسؤولية في التعامل مع الأزمة السورية بشكل إنساني وموضوعي، بعيدًا عن الحسابات السياسية التي قد تؤدي إلى تفاقم معاناة الشعب السوري.
ويرى الدكتور مؤيد غزلان قبلاوي، الباحث السياسي، أن مخرجات الجلسة المرتقبة في مجلس الأمن الدولي حول الأوضاع في سوريا ستكون معتمدة بشكل أساسي على مواقف كل من روسيا وأمريكا.
ويؤكد قبلاوي أن هذه المواقف قد تتناغم في بعض الجوانب لكن هناك تباينًا واضحًا في الرؤى، خاصة عندما يتعلق الأمر بالموقف الأوروبي.
يقول قبلاوي إن هناك مؤشرات تدل على تورط روسيا في الأحداث السورية، مشيرًا إلى أن الموقف الروسي يدعم بعض المواقف المتعلقة بالوضع في سوريا.
تبرز الإدانة الأمريكية لقتل المدنيين في سوريا، وهو ما يعكس تباينًا بين المواقف الأمريكية والروسية من جهة، والمواقف الأوروبية من جهة أخرى.
وأوضح أنه في الوقت الذي توافق فيه الولايات المتحدة وروسيا على الموقف تجاه الأحداث السورية، جاء موقف الاتحاد الأوروبي مختلفًا تمامًا حيث حمّل المسؤولية بشكل حصري لفلول النظام الأسدي دون الإشارة إلى أي جهة أخرى.
ويضيف قبلاوي أن هذا التباين في المواقف سيظهر بوضوح خلال جلسة مجلس الأمن، التي ستعكس أيضًا تباينًا في مواقف الدول الأوروبية. ورغم ذلك، يشير إلى أن الجميع سيدين العنف في الأراضي السورية بشكل عام، وسيسعى الجميع إلى الحفاظ على استقرار سوريا لكن هذه المواقف ستظل غير متجانسة على المستوى الدولي.
ويشدد قبلاوي على أن إيران تسعى إلى تأجيج الصراع الطائفي في المنطقة، خاصة بعد فشل العملية العسكرية لفلول النظام في سوريا. ويعتقد أن هذه العملية كانت تهدف إلى تصعيد التوترات الطائفية في المنطقة، وتوجيه أنظار الدول الإقليمية والدولية إلى تطورات الوضع في سوريا.
ويشير إلى أن إيران تعمل على تعزيز الهلال الشيعي في المنطقة، وتسعى إلى دعم حزب الله عبر العراق. كما يعتقد قبلاوي أن هناك غرفة عمليات مشتركة بين القوات الكردية في القامشلي وإيران، وأن ماهر الأسد كان يقود العمليات عن بعد.
وأوضح قبلاوي أن المكونات المختلفة في سوريا مطالبة بالتماسك والتعايش تحت مظلة الوحدة الوطنية، حيث يُطلب من الطائفة العلوية أن ترفض أي دعم أو تغطية للفلول النظامية.
كما يرى أن المكون العلوي مطالب بالوقوف مع سوريا بعيدًا عن أي خطوات انقسامية أو تحريضية قد تؤدي إلى تزايد الانقسامات الداخلية.