ChatGPT والمال الحرام.. هل استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل إثم؟| خاص

ظهر في عصرنا هذا استعمال واسع لأدوات الذكاء الاصطناعي، كبرنامج ChatGPT ونحوه، في ميادين كثيرة، ومنها العمل الصحفي، وقد سألنا عن حكم استخدام هذه الأدوات في تحرير الأخبار، وهل في ذلك شبهة تحرِّم الراتب أو توجب التحفّظ عليه؟، خاصة بعد الفتوى الصادرة أمس عن الأستاذ بجامعة الأزهر الدكتور أحمد كريمة.
«موديولات الذكاء الاصطناعي» .. هل يرقى استخدامها للتحريم؟
يقول الدكتور هشام ربيع أمين الفتوى بدار الإفتاء لـ نيوز رووم إن التعامل مع «موديولات الذكاء الاصطناعي» في تحرير النصوص وجمعها مثله مثل التعامل مع الموسوعات الرقمية، يُساعِد ويَدْعم ويعُاوِن، ثُمَّ تكون الكلمة الأخيرة للشخص المُحرِّر نفسه.
وتابع: -وفي ظني- أنَّ ترقية هذا الـمُساعِد والدَّاعِم والـمُعاوِن لجعله يُقدِّم النَّصَّ الـمُحرَّر دون تقديم جُهْدٍ علميٍ للشخص المحرِّر نفسه ليَضَع عليه اسمه: هو من قبيل الادِّعاء لما ليس له؛ وفي الحديث عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ ادَّعَى مَا ليْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، (رواه مسلم).
وبين أمين الفتوى: ذلك لأَنَّ الهدف مِن كتابة النصوص وتحريرها هو البحث عن المعلومات مِن مصادرها، وبعد ذلك يقوم الشخص نفسه بصياغتها وترتيبها في البحث لاستخلاص النتائج، إضافة إلى أنَّ كتابة وتحرير النص على هذا الوجه السابق يعود على الشخص المحرِّر بالدرجة والمكانة التي لا يستحقها، ويساويه أمام غيره من الباحثين والأساتذة الذين اجتهدوا وأبدعوا فيما وصلوا إليه.
كما أنَّه يُخْشَى على مَنْ يفعل ذلك أن يقع بسبب تَصدُّره للعلم بغير تَأهُّل أَن يَدْخُل في قوله تعالى ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾ [النحل: 116].
استخدام الذكاء الاصطناعي ليس محرمًا في ذاته
في حين، يقول الدكتور هشام الصوفي الواعظ بالأزهر الشريف، إن الإسلام قد حث على العلم، ودعا إلى استثماره فيما يعود بالفائدة على بني الإنسان، عملاً بعموم قوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾[سورة: طه]، وعموم قوله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾[ سورة: الجاثية، من الآية ١٣].
وتابع في تصريحات خاصة لـ «نيوز رووم٪: «معلوم حسب القواعد الشرعية أن الأصل في الأشياء الحل والإباحة، حتى يأتي دليل على تحريمها.
واستخدام الذكاء الاصطناعي ليس محرمًا في ذاته، وإنما تعرض الحرمة في أوجه استعماله».
وبين: إن استعمل في خير فهو مباح، وإن استعمل في الاساءة لسمعة الآخرين الطعن أعراضهم وشرفهم، فهذا حرام لقوله سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرٍ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾[ سورة: الأحزاب، الآية ٥٨].
كما أن الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي الهائلة مشروطة بامتلاك "ذكاء مهني" لدى الصحفي أو غيره، فالخوارزميات لا تقدم إجابات ذات قيمة إلا إذا تلقت أوامر وأسئلة دقيقة وذكية. فجودة المخرجات تعتمد كليا على جودة المدخلات، مع ضرورة المراجعة المستمرة لمخرجات هذه البرامج لما اشتملت عليه من أخطاء لغوية ودينية.
وشدد عليه: فكل إنسان في استخدامها على نفسه بصيرة، ومن استخدامه يكون الحل والحرمة.
مشروعية استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل
فيما يقول الشيخ أحمد السيد أبو شقرة من وعاظ الأزهر الشريف بمحافظة الدقهلية، في تصريحات خاصة لـ «نيوز رووم»: إن الحكم يَفصِل فيه ميزان الشرع، وميزان العرف المهني، وميزان القصد والاستعمال، وهذا على النحو الآتي:
أولًا: في مشروعية استخدام الوسائل المعينة:
الأصل في الوسائل أن تكون مباحة ما لم تؤدِّ إلى محرَّم. وقد قرر الأصوليون أن الوسائل تأخذ حكم المقاصد، فمن استعمل الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة لتحرير، أو صياغة، أو ترتيب مادةٍ صحفية، ثم قام بنفسه بالتحقق، والمراجعة، والتوجيه المهني للمحتوى؛ فلا حرج عليه، ولا تثريب، بل ذلك داخل في باب "المباحات التي تصير قُربات بنيّة الإصلاح". وفي هذه الحال، يكون أجره مباحًا، وراتبه حلالًا، وعمله مقبولًا شرعًا ومهنيًا.
ثانيًا: في موضع التحريم والشبهة:
أما إنْ ألقى الصحفي القلم، وتخلّى عن مسؤوليته، وركن إلى الآلة تركًا تامًا، فصار ينقل منها ما لم يتحقق منه، وينسب ما لم يكتبه، ويدفع بما لم يُجهد فيه ذهنًا ولا قلبًا؛ فذلك غشٌّ مهني، وكذبٌ في صورة صدق، وسرقةٌ مغلّفةٌ ببرمجة ذكية.
وتابع لا شك أن هذا في ميزان الشرع:
- غشٌّ محرَّم: قال سيدُنا النبي ﷺ: «من غشّ فليس منّا».
- وأكلٌ للمال بالباطل: قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾.
- وخيانة للأمانة المهنية: قال -عز وجل-: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾.
وكذبٌ في الخبر: وهو من أعظم المحرَّمات في دين الله. وعندئذ يكون في الأجر شبهة قوية، بل قد يبلغ درجة التحريم إن علمت الجهة المسؤولة بأنك لم تؤدِّ العمل، وأنت قبضت الأجر على خلاف الحقيقة.
ثالثًا: القصد معيار، والمهنة أمانة:
أوضح أن الصحافة ليست نسخًا ولصقًا، بل مسؤولية الكلمة، وأمانة التأثير، وأخطر ما فيها أن تتحوّل إلى مرآة خدّاعة، تزيّن القبح، أو تُضلّل الرأي العام.
وعليه: فإنْ كنتَ تستخدم الذكاء الاصطناعي كالمحرِّك للمركبة، وأنت القائد؛ فاستعن به ولا حرج.
أما إن كنتَ تُسلِّم له المقود، وتجلس في المقعد الخلفي، وتأخذ الأجرة على أنك السائق؛ فقد وقعتَ في الشبهة، وربما في الحرام.
رابعًا: كلمة للضمير قبل أن تكون فتوى للحكم:
وخاطب الواعظ بالأزهر مستعملي ChatGPT من الصحفيين وغيرهم بالقول: أيها الصحفي النبي، لسْتَ تكتب سطورًا، بل تصنع رأيًا، وتؤثِّر في وجدان أمة، وتنقل الحقيقة في زمن التضليل. فإيّاك أن تبيع مهنتك لأداة، أو تفرّط في أمانتك من أجل خبر مستعجل، أو تقرير مزيَّف.
وأكمل: «أخي الصحفي الكريم، راجع نيتك، وراقب قلمك، فإن الله لا ينظر إلى عنوان الخبر، بل إلى: صدق ضميرك، وأمانة عملك، وإخلاصِك في النقل والكلمة».
وشدد على أن استخدم الذكاء الاصطناعي كأداةٍ تعين ولا تستبدل، ثم قام بالتحقق من المادة، وحرّرها بنفسه؛ فلا حرج عليه، ومن اعتمد عليه اعتمادًا كليًّا بلا مراجعة ولا تحرير ولا مسؤولية مهنية؛ فقد وقع في الغش، وفي أجره شبهة.
ماله مشبوه.. أحمد كريمة عن استخدام الصحفيين للذكاء الاصطناعي
كان قد وجه الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، رسالة لـ الصحفيين ومعدي البرامج، ومن يستخدمون الذكاء الاصطناعي في عملهم، ويتم الحصول على أموال من أصحاب العمل مقابل ذلك.
وقال أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، إن هذا المال هو مال مشبوه، وأن ما يحدث يقضي على الإبداع، ويقضي على المهن ولذلك على الجميع الحذر.
وأضاف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، خلال حواره ببرنامج " علامة استفهام" تقديم الإعلامي مصعب العباسي، أن معظم الرسائل البحثية أصبحت تتم بالذكاء الاصطناعي، ولذلك نجد الباحثين الجدد أقل كفاءة من القدماء.
ولفت إلى أن " ياريت الناس تاخد من العلم ما ينفع، والابتعاد عن الضار".