عاجل

اتجاهات إعادة تموضع “داعش” بعد تصعيد إسرائيل وإيران.. دراسة تكشف

الجماعات المتطرفة
الجماعات المتطرفة

مع التصعيد الإسرائيلي الإيراني أصدر تنظيم “داعش الإرهابي” افتتاحية العدد (500) من صحيفة “النبأ” في 19 يونيو 2025، التي جاءت بعنوان “دولة فارس ودولة اليهود”؛ حيث أكدت على “أن التوصيف الدقيق للحرب الجارية بين اليهود والرافضة، أنها صراع بين مشروعين متنافسين في محاربة الإسلام”، وحرضت على “وجوب استغلال الفوضى الناجمة عن هذه الحروب في مضاعفة الجهاد على كل الأصعدة، في الإمداد والإسناد والاستقطاب والتجنيد والتسليح”.

اتجاهات إعادة تموضع “داعش” بعد تصعيد إسرائيل وإيران

وفي وقت سابق بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على غزة أصدر التنظيم كلمة صوتية بعنوان “واقتلوهم حيث وجدتموهم” في يناير 2024؛ حيث أشار إلى التنسيق بين حركة حماس وإيران قائلًا: “إن التحالف مع الرافضة خطيئة إخوانية ، وبلغت هذه الفتنة ذروتها في السنوات الأخيرة، وتمثلت بارتماء فصائل المقاومة في الحضن الإيراني وإعلانهم تشكيل ما يسمى بمحور المقاومة، وبذلك سمحت الفصائل الفلسطينية لإيران الرافضية أن تتصدر المشهد الفلسطيني وتظهر بمظهر المخلص والمدافع عن فلسطين”، وبالتالي تستدعي تلك المؤشرات تفكيك العلاقة التي تجمع بين “داعش الإرهابي” وطهران في محاولة لاستعراض الاتجاهات المحتملة لنشاط التنظيم.

العلاقة بين “داعش الإرهابي” وإيران

 

ووفقًا لدراسة أعدها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية ، انقسمت العلاقة التي جمعت بين “داعش الإرهابي” وطهران إلى مرحلتين أساسيتين، يمكن استعراضها على النحو التالي:

تحييد مؤقت: تمكنت إيران من التحييد المؤقت لضربات تنظيم “داعش الإرهابي” لأراضيها لسنوات، وذلك على خلفية امتثال التنظيم للتعليمات الصادرة من قبل تنظيم “القاعدة” في مرحلة ما قبل فك الارتباط بينهما، وتقدم كلمة “أبي محمد العدناني” (المتحدث الرسمي لتنظيم داعش الإرهابي آنذاك) في مايو 2014، والتي جاءت بعنوان “عذرًا أمير القاعدة”، تفسيرًا لذلك الطرح؛ حيث نفى أن تنظيم “داعش الإرهابي” فرعًا لتنظيم “القاعدة”، لكنه أكد على إن تنظيمه كان يمتثل لتوجيهات الأخير، ومن بين تلك التوجيهات عدم تنفيذ ضربات على الأراضي الإيرانية، قائلًا “لم تضرب الدولة الإسلامية الروافض في إيران منذ نشأتها.. امتثالًا لأمر القاعدة للحفاظ على مصالحها وخطوط إمدادها في إيران”. وبالتالي كانت تعليمات تنظيم “القاعدة” هي الحائل لتنفيذ ضربات من قبل تنظيم “داعش الإرهابي” تجاه الأراضي الإيرانية.

استهداف مباشر: مع فك الارتباط بين تنظيمي “القاعدة” وداعش الإرهابي” شرع الأخير في استهداف إيران بعمليات إرهابية، كان أولها الهجوم ضد “مجلس الشورى” الإيراني، وضريح “آية الله الخميني” في عام 2017؛ مما أسفر عن مقتل 17 شخصًا على الأقل وإصابة 50 آخرين، وفي مقطع فيديو نشرته وكالة “أعماق الإخبارية” التابعة لتنظيم “داعش الإرهابي” في أعقاب هذا الهجوم، أشار بيان لمسلح يتحدث باللغة الكردية إلى أن الهجمات كانت مجرد بداية لحملة مطولة، معلنًا أن هذا الهجوم لن يكون الأخير ، وبالفعل لم يكن الأخير؛ حيث نفذ التنظيم عددًا من الهجمات داخل الأراضي الإيرانية أبرزها، استهداف ضريح “شاه جراغ” في مدينة شيراز في عام 2022، فضلًا عن استهداف مدينة كرمان في 2024.

ويمكن القول إن ثمة دوافع عقائدية تقف خلف مهاجمة تنظيم “داعش الإرهابي” لإيران، على رأسها تبنيه نهجًا قائمًا على تكفير الشيعة بمذاهبها، إذ يرى طبقًا لعقيدته أن “الرافضة طائفة شرك وردة” وذلك على خلاف التيارات الدينية السنية المعتدلة التي ترفض تكفير الشيعة، وفي ضوء تلك القناعات المتطرفة يزعم التنظيم أن استهداف المجتمعات الشيعية واجب ديني ، كذلك لا يمكن غض الطرف عن الدور الذي لعبته الفصائل المسلحة الشيعية المدعومة من إيران في الضغط الأمني على التنظيم في معاقله التقليدية بالعراق وسوريا ، وبالتالي هناك عوامل متضافرة أسهمت في تأطير العداء بين “داعش الإرهابي” وإيران.

اتجاهات محتملة

في ضوء ما تقدم، ثمة تحركات مستقبلية محتملة من قبل تنظيم “داعش الإرهابي” مرتبطة بمحاولة توظيف التصعيد الإسرائيلي الإيراني، ويمكن استعراضها على النحو التالي:

إعادة تموضع داعشبعد تصعيد إسرائيل وإيران 

تحريض طائفي: من المحتمل أن يتوسع تنظيم “داعش الإرهابي” في الخطاب القائم على التحريض الطائفي ضد إيران والمجتمعات الشيعية؛ حيث يضع التنظيم إيران وإسرائيل في خانة العداء المتساوي، ويصفهما بأنهما وجهان لعملة واحدة، وفي هذا السياق، جاءت افتتاحية العدد (439) من صحيفة “النبأ” والتي صدرت في 18 أبريل 2024، بعنوان “الوعد الكاذب”؛ حيث أشارت إلى فشل وضعف الرد الإيراني على الاستهداف الإسرائيلي للقادة الإيرانيين في دمشق، لافتة إلى أن “جرائم إيران في حق المسلمين تفوق جرائم اليهود”، مؤكدة على وضع “الرافضة واليهود والصلبيين والمشركين في كفة واحدة كعدو مشترك للإسلام”.

ويسهم هذا الخطاب في التأطير للعداء الطائفي تجاه المجتمعات التي تضم الشيعة والسنة معًا. وقد يمتد إلى شن هجمات على الأهداف الإيرانية في العراق وسوريا. كما أنه في الوقت ذاته يعطي الذريعة للجماعات العلوية مثل “لواء الساحل” في سوريا لتعزيز السرديات الطائفية التي تدعم أهدافهم لا سيما مع تصاعد الخطاب الطائفي ضدهم. 

كذا من المرجح أن يوظف التنظيم هذا الخطاب الطائفي لتوسيع دائرة الاستقطاب والتجنيد، بهدف اجتذاب عناصر جديدة لصفوفه، وفي هذا الطرح تبرز محاولات التنظيم في استقطاب العناصر المسلحة الساخطة على ممارسات “هيئة تحرير الشام” البرجماتية تجاه المجتمع الدولي من ناحية، فضلًا عن سياسات تجاه الشيعة من ناحية أخرى، إذ يمثل خطاب “داعش الإرهابي” الطائفي حافزًا لاستقطاب هؤلاء.

إعادة التموضع: يجد تنظيم “داعش الإرهابي” في التصعيد الإسرائيلي الإيراني فرصة لإعادة التموضع العملياتي وليس الدعائي فقط، ومن المتوقع أن يأتي هذا التموضع في عدد من الساحة الجغرافية المختلفة، على رأسها معاقله التقليدية في العراق وسوريا، لا سيما مع سعيه إلى تعزيز نفوذه في الساحة السورية، عبر تطوير هجماته النوعية، إذ تشير العمليات التي تبناها مثل هجمات محافظة السويداء الشرقية يومي 22 و28 مايو 2025، أو العمليات التي تم إحباطها، مثل إحباط محاولة استهدافه مقام السيدة زينب جنوب دمشق في يناير 2025، أو العمليات المتورط فيها -على الرغم من عدم إعلانه تنفيذها حتى هذه اللحظة- مثل الهجوم الذي استهدف كنيسة القديس مار إلياس في حي الدويلعة بدمشق في 22 يونيو 2025، إلى سعيه لإرسال رسالة مفادها أنه لا يزال مؤثرًا في التفاعلات الأمنية في معاقله التقليدية، هذا على صعيد.

على صعيد آخر، من المرجح أن يعزز “داعش الإرهابي خراسان” نشاطه في الساحة الآسيوية بصفة عامة؛ حيث يهدف إلى توسيع نفوذه داخل حدود أفغانستان وخارجها، وتنويع موارده البشرية، وتطوير قدراته العابرة للحدود الوطنية، كما من المحتمل أن يعمل على استهداف الداخل الإيراني بصفة خاصة مستغلًا الضغط الذي يمكن أن تتعرض له، وتجدر الإشارة إلى وجود محاولات متعددة لاستهداف الداخل الإيراني من قبل “داعش الإرهابي” تم إحباطها في الآونة الأخيرة، فعلى سبيل المثال أعلنت السلطات الإيرانية في 4 يونيو 2025، تفكيك خلية تابعة لتنظيم “داعش الإرهابي” ، كانت تخطط لتنفيذ عملية تخريبية خلال مراسم الذكرى السنوية لرحيل مؤسس النظام روح الله الخميني في طهران، كذلك أعلنت السلطات الإيرانية أيضًا في 23 أغسطس 2024 القبض على 14 شخصًا ينتمون لتنظيم “داعش الإرهابي” كانوا يخططون لتنفيذ هجمات في البلاد.

وعلى صعيد ثالث، لا يمكن غض الطرف على احتمالية تحريضه للذئاب المنفردة لشن هجمات ضد أهداف يهودية، وفي هذا السياق أحبطت هيئة الأمن الفيدرالي الروسي هجومًا مسلحًا على أحد المعابد اليهودية في موسكو، خططت له خلية تابعة للتنظيم في مارس 2024.

مجمل القول، ينظر تنظيم “داعش الإرهابي” إلى التصعيد الإيراني الإسرائيلي كفرصة لإعادة التموضع مرة أخرى؛ حيث يستغل تصاعد الصراع بين الجانبين من أجل تكثيف الخطاب الطائفي، وتحريض الذئاب المنفردة، وتعزيز النشاط العملياتي، سعيًا لاستعادة نفوذه كفاعل مؤثر في ساحة الإرهاب العالمي، قادر على تهديد السلم الدولي والإقليمي.

تم نسخ الرابط