كيف يمكن فهم سلوك الداخل الإيراني تجاه الحرب مع إسرائيل؟.. دراسة توضح

شهد الشارع الإيراني منذ سنوات احتجاجات شعبية وفئوية نتيجة عدم رضا الرأي العام عن سياسات النظام الاقتصادية والاجتماعية، وتفاقم تداعيات السياسة الخارجية في إيران على المجتمع، فضلاً عن تقلص مساحة الحريات بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية.
كيف يمكن فهم سلوك الداخل الإيراني تجاه الحرب مع إسرائيل
ووفقًا لدراسة أعدها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إذ لم تغب مظاهر الاحتجاج منذ وفاة مهسا أميني في 2022 عقب اعتقالها من قبل قوى الأمن على خلفية عدم ارتدائها الحجاب المناسب وفق رؤية شرطة الأخلاق، حيث تتجدد هذه الاحتجاجات بشكل شبة يومي في محافظات عدة في البلاد، كان آخرها تلك الموجة التي استمرت ما يقرب من أسبوعين بدأت في نهاية مايو 2025 واستمرت حتى 9 يونيو الجاري، وتوسعت هذه الاحتجاجات في 93 مدينة في 27 محافظة اعتراضاً على الأزمة الاقتصادية الخانقة، وانغلاق أفق المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة.
كما شهدت البلاد احتجاجات فئوية نظمها عدد من أصحاب المهن في البلاد مثل سائقي الشاحنات الثقيلة، الذين قاموا بإضراب عام بسبب تدني الأجور، وخفض الحكومة الإيرانية حصة الوقود المدعوم على بطاقةدعم الوقود، بالإضافة إلى الخبازين بسبب ارتفاع أسعار الدقيق والمواد الأساسية، وإخفاق نظام الدعم الإلكتروني المنظم لتوزيع الخبز في البلاد، فضلاً عن عمال منصات النفطوالغاز، والمناجم والمعادن، فيما قدرت منظمة مجاهدي خلق على موقعها الالكتروني هذه الاحتجاجات خلال شهر مايو الماضي 2025 بحوإلى 493 حركة احتجاجية في المدن الإيرانية.
هذا المشهد المضطرب الذي ساد إيران قبل بداية الهجمات الإسرائيلية عليها، دفع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى تهدئة الرأي العام الإيراني بتأكيده على أن "إيران لن تموت جوعاً إذا ما فشلت المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة الأمريكية".
وفي ظل مشهد أكثر اضطراباً وبشكل دراماتيكي، انتهت التظاهرات الاحتجاجية للتحول إلى مظاهرات تنديد بالضربات الإسرائيلية داخل البلاد.
التعويل على الداخل
كان الداخل الإيراني محط متابعة من جانب إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وربما العالم كله، عند بدء الهجمات على إيران، في ظل الوضع المضطرب داخل البلاد بسبب الأزمة الاقتصادية، والحريات الغائبة إلى حد كبير، حيث تعول كل أطراف الأزمة ومتابعيها على حالة المجتمع الإيراني، ورد فعله تجاه ما تتعرض له البلاد من هجمات مفاجئة تنال من قدراتها العسكرية وتستهدف قياداتها العسكرية وعلمائها، انطلاقاً من مسلمة مفادها أن الجبهة الداخلية الإيرانية إذا ما كانت داعمة لقيادتها ستعظم من قدرات النظام على الصمود والرد، وأما إذا ما كانت عنصراً ضغطاً ونقطة ضعف حقيقية ستُعجل من انهيار قوة النظام، وبالتالى تصب في مصلحة إسرائيل.
في هذا السياق، خاطبت إسرائيل منذ بداية المواجهات الداخل الإيراني، إذ أكد بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي في حديث وجهه للشعب الإيراني أن "المعركة ليست ضدكم، بل ضد نظام يظلمكم ويضعفكم، نحترم ثقافتكم وتاريخكم.
نوركم سيهزم الظلام، أنا معكم، وشعب إسرائيل معكم". حملت كلمته هذه دعوة للشارع الإيراني للتخلص مما وصفه بـ"النظام الظالم والطاغي".
فيما لم تلاقي هذه الدعوة صدى في الداخل الإيراني بل على العكس، قوبلت بموجات من الانتقاد على صفحات التواصل الاجتماعي للإيرانيين قبل انقطاع الانترنت بشكل كامل في البلاد، لاسيما مع نشر سارة نتنياهو، زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي، صورة لأسدين مع علم إسرائيل وعلم إيران خلال حقبة الشاه على صفحتها في "إنستجرام"، في إشارة إلى تصريحات نتنياهو، وكدلالة رمزية على دعم إسرائيل تغيير النظام الإيراني واستبداله بالنظام الشاهنشاهي.
وعلى الرغم من أن هذه التصريحات لم يصدر مثيل لها من الولايات المتحدة، قبل اليوم العاشر من المواجهات وقبل عملية "مطرقة منتصف الليل"، التي استهدفت المنشآت النووية الثلاث "فوردو، وناتنز، وأصفهان" فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كتب منشوراً له على منصة "تروث سوشيال" في 23 يونيو الجاري قائلاً: "ليس من الصواب سياسياً استخدام مصطلح تغيير النظام، لكن إن لم يكن النظام الإيراني قادراً على جعل إيران عظيمة، فلم لا يتم تغييره" بالرغم من تأكيده لأكثر من مرة عدم رغبة الولايات المتحدة في تغيير النظام في إيران.
تجانس مبرر
من المعلوم أن للشعب الإيراني خصوصية قومية، لاسيما مكون الفرس فيه، تجعله ربما مفرطاً في اعتداده بذاته، وهو ما انعكس إلى حد كبير في سياسات النظام الإيراني تجاه العديد من الملفات، وقد أدى الاستهداف شبه المباغت في توقيته وحدته، إلى زعزعة اعتزاز الشارع الإيراني بنفسه حتي قام النظام الإيراني بالرد على الهجوم الإسرائيلي عقب ساعات من بدء الهجوم، وهو الرأي الذي عبر عنه مقال نشر على موقع جامعة نورث إيسترن بلندن، معتمداً على شهادة أستاذ مساعد في الأخلاق التطبيقية بالجامعة يحمل الجنسية الإيرانية، والذي أكد على أنه بالرغم من تحميل الشارع الإيراني الحكومة مسئولية عقود من الأزمات الاقتصادية والقمع والعزلة الدولية، فإن ذلك لا يعني أنه يقبل العدوان الإسرائيلي على بلاده، فهو يريد التغيير لكن ليس بيد العدو، أو من خلال إملاءات خارجية، بل إن هذه الضربات الموجهة ضد النظام الإيراني تفوت الفرصة على المعارضة لإحداث تغيير حالي، إذ ستبدو وكأنها متحالفة مع أعداء الخارج ما يخصم من رصيدها في الداخل .
وفي سياق التأكيد على هذه الفكرة أيضاً، جاء مقال للكاتب اسفنديار باتمانجيليدج على موقع "الجارديان" بعنوان " The Iranian people were starting to win their battle for liberty and prosperity. Then Israel attacked" ليشير إلى أن النظام الإيراني بالفعل كان يعاني من الاحتجاجات اليومية الداعية للحرية والازدهار الاقتصادي، إلى أن جاءت الصواريخ الإسرائيلية لتوقف ذلك الوعي الذي يبديه الشارع الإيراني منذ سنوات، مشيراً إلى فكرة أخرى مفادها أنه كلما تعرض النظام لضربات قاسية فإنه يتحول لنسخه أشرس، ضارباً مثالاً بوفاة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي في حادث طائرة، والذي أدى وفق رأيه إلى ترسيخ النظام سلطته من خلال هندسة الانتخابات.
ومن خلال رصد وسائل الإعلام الإيرانية ومواقع التواصل الاجتماعي الإيرانية العامة، فضلاً عن حسابات بعض الشخصيات الإيرانية، يلاحظ أن الضربات التي وجهتها إسرائيل نحو النخب العلمية والعسكرية قد خلقت تعاطفاً مع النظام الإيراني حتي في أوساط المعارضة في الداخل، حيث انتشرت هاشتاجات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل "الوحدة في مواجهة العدو" و"الرد المؤلم".
كما نجد أن رد فعل بعض الشخصيات الإيرانية المعروفة بانتقادها الدائم للنظام، مثل الأديب وعالم اجتماع الإيراني الأمريكي آصف بيات، المهتم بدراسة ديناميات تغيير الشعوب للأنظمة، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران، صادق زيبا كلام، الذي تم اعتقاله وسجنه لمدة 3 سنوات - تتمحور حول أنه لا يمكن الاصطفاف وراء إسرائيل ضد إيران، وأن من يختار الاصطفاف مع العدو في هذه الظروف سيعد سقطة لن يغفرها التاريخ، وذلك حسب تعبير زيبا كلام على حسابه الخاص على موقع "إكس".
فيما لعبت وسائل الإعلام الإيرانية لاسيما الرسمية منها، دوراً ربما لأول مرة تختبره في هذا الإطار، بأن قدمت متابعة لحظية لتطورات الأحداث والإعلان عن نتائج الهجمات الإسرائيلية، لاسيما في أيامها الأولى، فلم تتأخر في الإعلان عن الاغتيالات المتتابعة لعسكريين وعلماء نوويين، حتي أنها تعرضت لانتقادات بعض التيارات في الداخل الإيراني، بدعوى أن الإعلان السريع عن هذه الاغتيالات يؤدي إلى خفض الروح المعنوية للشعب، غير أن الاستراتيجية الإعلامية التي اتبعها التلفزيون الإيراني قد نجحت في حشد الرأي العام وراء النظام، وهو ما ظهر من خلال التغير الدراماتيكي في تظاهرات الشارع الإيراني وتحولها من الاحتجاج على سياسة النظام، للتنديد بالهجوم الإسرائيلي والمطالبة بالثأر.
وهنا يبرز مشهد استهداف مبنى التلفزيون الإيراني أثناء البث، وظهور المذيعة سحر إمامي متحدية الإنذار الإسرائيلي بقصف المبنى، ثم عودتها بعد القصف بدقائق لتؤكد صمود العاملين بالمبنى رغم استهدافه، كما عاد البث أيضاً بأحد المذيعين من خارج المبني ويده تنزف ليشير بها إلى ما أصاب المبنى من تلفيات جراء القصف، تلك التلفيات التي غطيت فيما بعد بصورة كبيرة للمذيعة سحر إمامي في إشادة بشجاعتها، وذلك حسب الصور التي تتناقلها وكالات الأنباء للشوارع الإيرانية ضمن تغطية المواجهات مع إسرائيل.
وضمن التغطيات الإخبارية غير المعتادة لوسائل الإعلام الإيراني الرسمية والتي اقتطعت منها العديد من الفيديوهات القصيرة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها هو إجراء لقاءات مع فتيات ونساء يشاركن في مظاهرات التنديد بضرب إيران وهن بدون حجاب مناسب، أو بدون تغطية الرأس على الإطلاق، كتلك الفتاة من دون حجاب التي طالبت النظام بـ "تنفيذ تهديد إغلاق مضيق هرمز، والرد الفعلى على هجمات إسرائيل ومحوها كما استهدفت غزة من قبل"، فضلاً عن نشر التلفزيون الرسمي لمقطع فيديو صّور بالهاتف النقال لفتاة بدون حجاب في أحد ميادين العاصمة طهران تغني نشيداً "وطنياً"، وكذلك مقطع فيديو لشاب في شارع بأحد الأحياء السكنية يعزف على الكمان، بينما الصواريخ تنير السماء. إذ تنشر وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية وغير الرسمية هذه المقاطع وغيرها للتأكيد على صبر الرأي العام الإيراني واتفاقه على إدانة الهجمات على إيران، وأن الانتقادات قد وضعت جانباً في هذا التوقيت الحرج من عمر البلاد.
لا يعني كل ما سبق أنه لا تحرك للمعارضة للنظام الإيراني على الإطلاق، إلا أن اللافت في إطار في هذه التحركات، أنها تأتي من الخارج الإيراني بالأساس من خلال المعارضين المنتمين لتيارات معارضة منظمة بالأساس، ثم من خلال الأفراد المعارضين غير المنتمين لتيار معارضة معين، وعلى رأسهم الناشطات الحقوقيات دائمي انتقاد النظام فيما يخص الحريات المسلوبة للمرأة في الداخل الإيراني، مثل الناشطة مسيح على نجاد، التي دأبت على حسابها الشخصي على موقع التواصل "فيس بوك" على نشر صور للضحايا من الشباب والأطفال، والتأكيد على أن النظام الإيراني يجر الشعب لحروب ونزاعات لا تعنيه، ولا تحقق له أيه مصالح. ويتفاعل مع هذه المنشورات حقوقيات أخريات من خارج إيران، وداخلها في حين أن تأثير المنشورات على فئة الناشطات في الداخل يكاد يكون معدوماً حتى الآن.
فيما تعددت تحركات وتفاعلات حركات المعارضة المنظمة في الخارج مثل حزب "حرية كردستان" الذي دعى زعيمه حسين يزدان إلى انتفاض الأكراد ضد النظام في الداخل، واستغلال فرصة ضعف النظام الحالي، وانشغاله بالمواجهات مع إسرائيل، كذلك أحزاب وجماعات المعارضة الأحوازية في أوروبا، والتي يحرص ناشطوها على نشر دعوات للتحرك الأحوازي في داخل إيران، مع تأييد كامل للهجوم الأمريكي والإسرائيلي على إيران. فضلاً عن حركة الملكيين، الداعمين لحلم عودة حقبة شاه إيران من خلال عودة الابن الأكبر للشاه رضا بهلوي، الذي كثف بدوره من كلماته الموجهة للشعب الإيراني داعياً إياه بالخروج على النظام.
في حين يأتي موقف منظمة مجاهدي خلق، ومن ورائها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مختلفاً بعض الشيء، حيث لا تدعم رئيستهما مريم رجوي فكرة تغيير النظام الإيراني من خلال تدخل قوى خارجية، وإنما تدعم فكرة تغييره من الداخل، ولذلك تحشد المنظمة والمجلس الوطني لفكرة التحرك الداخلي المكثف لإضفاء الشرعية على تغيير النظام من الداخل، وبالنظر إلى تغطية موقع المنظمة الإلكتروني لتحركات داعميها في الداخل الإيراني، يلاحظ أنه لا استجابة حقيقية لهذه الدعوات، باستثناء صور نشرها الموقع لما وصفه بمظاهرة في مدينة زهدان بمناسبة يوم الشهداء والسجناء السياسيين، والتي تشير في الواقع إلى رفع بعض الأفراد منفردين للافتات تندد بسياسة النظام الإيراني.
تأثير محتمل؟
ساعد الشارع الإيراني بما أبداه من صبر ودعم ضمني لرد النظام الإيراني على الهجمات الإسرائيلية، في عدم استنفاده داخلياً وتشتيت جهوده، وتفرغه لإدارة معركته التي فرضت عليه هذه المرة، على عكس اتجاه من التوقعات بأن يستغل غير الراضين عن النظام ومعارضيه هذه الفرصة بتنظيم تحركات داخلية - حتي اليوم الثاني عشر من هذه المواجهات، وقبل إعلان الرئيس الإيراني بانتهاء المواجهات، وإعلان موافقة الطرفين على وقف إطلاق النار.
غير أن الوضع الهش الذي سيتبع إعلان انتهاء المواجهات، سيجعل استقرار الداخل الإيراني ومن بعده النظام في إيران محل أسئلة كثيرة.
وربما تأتي أهمية إلقاء مزيد من الضوء عن أطياف المعارضة الإيرانية في إطار الحديث عن احتمالية تأثير هذه المعارضة إذا قررت التحرك في الداخل الإيراني خلال الفترة القليلة المقبلة، لاسيما في ظل تعقيد تركيبتها، وتوجهاتها المختلفة، والمتعارضة أيضاً ، إذ يمكن القول بأن المعارضة للنظام الإيراني في الداخل والخارج الإيراني هي مجموعات غير متجانسة، من الأفراد والجماعات والتنظيمات المسلحة وغير المسلحة.
ففي الخارج، تعد منظمة مجاهدي خلق، التي تقودها مريم رجوي أبرز كيانات المعارضة تنظيماً وتمويلاً كما أنها تهيمن على الائتلاف الإيراني المعارض المتمثل في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وهي منظمة لا تتمتع بشعبية كبيرة في الداخل الإيراني، بسبب التشكيك في تمويلها، والجهات الداعمة لها، والجهات التي تمد فرعها المسلح بالسلاح والتدريب، وهي على خلاف كلي مع جماعة الملكيين، أو ما يعرف بأنصار الملكية، ومؤيدي ابن الشاه المخلوع رضا بهلوي، ولهذه الجماعة تواجد واسع في شبكات إعلام أجنبية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وتعمل على جذب الشباب بأفكار الرفاة والحريات، غير أن مؤيديها في الداخل أيضاً محل انتقاد بشكل كبير، من قبل مريدي تغيير النظام الحالى بنظام ديمقراطي وليس العودة للنظام الشاهنشاهي. أما أهم الأحزاب المسلحة في الخارج فيتمثل في حزب حرية كردستان الانفصإلى الذي ينشط من العراق، والذي دعا زعيمه الأكراد في الداخل الإيراني إلى مهاجمة أهداف النظام، وهو ما لم يحدث لأسباب عدة، يأتي على رأسها الإجراءات الأمنية المشددة التي يتخذها النظام الإيراني على المنطقة الحدودية مع العراق، حيث تنشط الأحزاب الكردية المعارضة، فضلاً عما اتخذ من إجراءات في كردستان العراق، أدت إلى إبعاد مقرات الأحزاب الكردية الناشطة هناك عن الحدود الإيرانية، مما أدى إلى قطع الاتصال المباشر إلى حد كبير بين الأحزاب الكردية في الخارج وناشطيها في الداخل.
أما في الداخل، فإن المعارضة تعد أقل تنظيماً وأكثر تشتتاً بسبب غياب قيادة وازنة بين كافة اتجاهاتها، فضلاً عن كونها تقع تحت طائلة قمع النظام الإيراني، ومنها الحركات الشبابية والطلابية والناشطات والحقوقيات التي تطالب بالحريات، والتي زاد زخم تواجدها في الشارع الإيراني عقب مقتل الفتاة مهسا أميني عام 2022، بالإضافة إلى الأحزاب والجماعات المسلحة مثل أغلب الأحزاب الكردية، وبعض الأحزاب الأحوازية، والحركات المسلحة من البلوش السنة مثل الفرقان، جند الله وجيش العدل ، والتي تشن بين الحين والآخر هجماتها على عناصر الأمن والحرس الثوري في المدن الحدودية، في مقابل حملات واسعة من الاعتقالات والإعدامات التي يقوم بها النظام بحق كوادرها.
وفي هذا السياق، يقف تأثير المعارضة السلمية الإيرانية وإمكانية تحركها في الداخل من أجل الضغط على النظام لتغيير سياسته، أو التصعيد بالمطالبة بتغييره أمام تحديات كبيرة، أهمها عدم وجود قيادة موحدة ومؤثرة ومرشدة، وموجهة لتحركات الشارع بعد غياب آخر مؤثر في تحركات الشارع الإيراني، وهو مير حسين موسوي عن المشهد السياسي، وبقاءه تحت الإقامة الجبرية عقب أحداث الثورة الخضراء.
فيما يصطدم تأثير المعارضة المسلحة وإمكانية تشكيلها خطراً حقيقياً على مستقبل النظام الإيراني بصخرة كون جميعها مملوكة لأقليات عرقية ومذهبية، ولا تلقى دعماً خارج أبناء عرقيتها أو مذهبها، بل على العكس تواجه بالعداء من باقي العرقيات، في ظل وجود أغلبية فارسية لن تقبل على الأرجح بتغيير النظام الحالى بنظام آخر لا تكون للقومية الفارسية فيه الغلبة في الهوية والحكم.